من المسائل التي غدت تشكل هاجسا مؤرقا لمبدأ التعايش بين الأفراد أوالمجموعات ،قضية الإستعلاء العرقي ، هذه الكلمة الجوفاء الرعناء التي تصك الآذان ، فهي العقبة الكعود التي ظلت تعرقل مسيرة التنمية والتطور لدى الأمم والشعوب ، ولعل القارة الافريقية السمراء تعد الأسبق بين قارات العالم في إنتهاج هذا المسلك المشين ، حيث تلعب وهدة التخلف القبلي دورا مفصليا في إذكاء جذوته ، وذلك ان القبيلة تعد الملاذ والملجأ للمجموعات الأثنية المختلفة ، فهي أى هذه المجموعات تتمسك بالعادات والتقاليد التي ترفدها القبيلة وتجعل منها المرجعية الفكرية لها في جميع المعضلات الحياتية ، وإن تعارضت قوامها مع القوانين والاعراف ، ولذا نجد في كثير من الأحيان أن الدولة قد تقع تحت طائل الحرج الدولي وما ذلك إلا لموقف شخصي مستقبح في مرآة المجتمع الدولي يصدر من شخص ينتمي إلي مجموعة إثنية معينة قد يسقط حق الغير في نظر الأخرين ، وذلك إستنادا إلي أن الدولة تعول ملكيتها من الناحية الفلسفية إلي جميع الأفراد الذين يشغلون حيزها ، وليس حكرا على فرد بعينه حتى يعقد تصرفا شخصيا بحتا ينصرف أثره على هؤلاء الشركاء بالتضامن ، نحن هنا لسنا بصدد التصدي للحرية الشخصية للأشخاص أو المجموعات الإثنية المختلفة ، وذلك لأن الحرية حق فطري جبلي ولدت حيثما ولد الإنسان ، اى أن الإنسان والحرية توأمان متلازمان كتلازم الزمان والمكان حيث يصعب سحب بساط الحرية من تحت قدم الإنسان دون أن يحدث خللا , ومن حيث أن الحرية وموضوعاتها مكفولة بموجب القوانين والاعراف والدساتير لجميع الأشخاص ، إلأ أنه ينبغي التمييز بين صنفين من الحريات ،هي الحرية الشخصية المطلقة ، والحرية العامة المقيدة ، فالحرية الشخصية المطلقة تحد من عنفوانها بقيم عقلانية تنبع من تعاليم إجتماعية راسخة ضاربة في عمق العلاقات المتبادلة بين الفئات الإجتماعية ،حيث يلعب مبدأ التنازل الشخصي عن بعض التصرفات الفردية عرفا مطردا سائدا بين أفراد المجتمع أنبثق عنه فيما يعرف بالذوق العام والذي تحكمه الرؤية النظرية والبعد المعنوي للتصرفات الشخصية وهذا ماقال به الفيلسوف جان جاك روسو إبان أزدهار قيم العدالة والحرية والمساواة في القرن السادس عشر وأندياح معالمها ، وإتساع آفاق معانيها ( كل إنسان ولد حر ولكنه تنازل عن بعض رغباته للمجتمع) فيما عرف بنظرية العقد الإجتماعي والذي حمل بين طياته معان تنصب في مجملها على كفالة مبدأ الحرية وصيانة حماها من التعدي عليها ، على أن مثل هذا التمدد والتوسع في إستدراك كنه الحريه والعمل بمضامينه ينبغي أن تساير مطلوبات الجماعة وتقف عند حدود الإستحسان العقلي لمبدأ الحرية ، ولا يعني هذا أن تطلق الحرية لتسبح في فضاءاتها دون رقيب أو حسيب ‘ فما رآه العقل حسنا فهو حسن على رأي أصحاب الأصول في ترجيح المصالح المرسلة ، إلا أن رؤية العقل للأشياء قد تختلف وفقا للأذواق ومن ثم أن مثل هذا المنحي قد ينجرف بنا عكس إتجاه التيار في تبني الأساس السليم في التقويم والتقييم للمبدأ المطلق للحرية ‘ فإن ما يراه الغربيون من مطلق الحريات الإنسانية المتمثلة في قيم الإنحلال والتعري قد تتبدى لنا صورة بهيمية قاتمة تنم عن تردي أخلاقي وسقوط قيمي في الوقت الذي ينظرون إليها كقيمة حرية مطلقة تتعلق بحقوق الإنسان و ماذلك إلا لتباين الرؤية التوافقية بيننا وبينهم حول مفهوم الحرية ، ولأن الإسلام لم يترك الحبل على القارب حتى يتفوه أصحاب الاهواء بما يتناقض وأحكام الشرع وذلك بتقويض القيم المفاهيمية العليا لمبدأ الحرية والزج بمفرداتها في أتون الشبهات ، فكان لا بد للشريعة أن تضطلع بدورها في فك اللبس حول المفهوم الحقيقي للحرية ووضع حدودا لها تتماشي مع القيم التي تستوعبها النفس القويم والعقل السليم ، وان تزال تلك الأفكار الظلامية التي ظلت تعشعش في الأعماق ،وذلك لأن الحرية عالم موغل في معانيه ، متشعب في حواشيه مختلف في مشاربه تتعدد عناصرها بتعدد الأزمنة والأمكنة والأشخاص فضلا عن الموجهات والأيدولوجيات التي تحكم الأفراد والمجموعات، ومن ثم وقياسا على ما مضي ستظل الحرية قيمة عقلانية متعالية أكثر عن كونها قيمة مادية تتهافت إليها أصحاب النزوات والأهواء ، وهذا لا يمنع بالضرورة أن تكون هنالك رؤى مشتركة حول بعض البنود المتعلقة بالحريات وإن تباينت الآراء حول بعضها وذلك وفقا لمنظور عقلاني نابع من صميم المبادئ الأساسية التي توافقت عليها البشرية طبقا لمصلحة الإستحسان ( ما رآه العقل حسنا فهوحسن) ويفهم من هذا السياق بمفهوم المخالفة ، أن ما رآه العقل بخلاف ذلك فهو بخلاف ذلك [email protected]