دبيب الحركة و هسيس السكون إنحسار الظلال وإنسدال غشاء الظلمة الشفيف !!؟.... بؤرة الحدث هنالك في البعيد ، حيث آلة الحرب تحصد المهمشين !!!؟؟..... وهنا، لا حدث بشري ، إلا أن الكوارث الطبيعية تصب جام غضبها على رؤوس سواد الناس !!؟.... كل شئ يمضى !!؟..... (الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء) بغتة ينكسر زجاج النافذة..... الرياح الجنوبية الغربية ، العاصفة الهوجاء ، لا تبقي ولا تذر .... تطيح بأسقف منازل الجالوص..... الأمطار برعدها الهادر وبرقها الخاطف ، تغرق المدر والبشر !!؟؟... السيول تقتلع الأشجار و تغدر بأحلام الطفولة وتغتال آمالهم في مستقبل من صُنع أيديهم ..... وتجرف كل ما يعترض مجراها .... يحني الرجل هامته ليلتقط شظايا زجاج النافذة المكسور ، ويضعه جانباً ، خوفاً من أن تصل إليه... حفيدته الصغيرة التي لازالت تراوح بين أن تحبو وتمشي وتقع، وربما تجرح به قدمها أو يدها بسبب محاولاتها الدائمة للتشبث بالأشياء الأكثر إرتفاعاً من قامتها و حركتها الدؤوب التي لا تنقطع ، مادامت لا تكف عن طموحاتها اللحوحة في الوصول لأي شئ يقع تحت نظرها، لم يكن منزل الرجل يقع في مجرى السيول ، ولا كان من البيوت الفاخرة لعل مستواه لا يتعدى متوسطي الحال ، إبنه يقطن معه ، زوجته غادرتهم الى الرفيق الأعلى قبل أن ترى حفيدتها .... حُرمت الحفيدة من حنان ورعاية "الحبوبة" !!!؟؟.... * * * - أشعل الشمعة ووفر لعناتك لما هو أجل وأعظم ؟؟.... فتح الرجل الباب وهو يستقبل صديق العمر ، هاشاً باشاً ... - كيف أتيت في هذا الجو المعتكر والظلام يهيمن على كل مناحي الحياة ، قاتلهم الله !!؟.... - خطرت ببالي يا أخي ، ثم من غيرك في هذه الدنيا ، يمكن أن أبثه همنا العام الذي بالتالي يؤثر سلباً على همومنا الخاصة !!؟.... - في البدء ، دعني أقدم لك قدحاً من الشاي الصاموطي !!... - لا تشغل بالك، أنا سأتولى إعداده - بكل أسف إسطوانة الغاز فارعة ، فقط هناك البديل ، وأنت تعرف أين تجده ، زوجة أبني أخذت حفيدتي و ذهبت الى الجيران ، قبل إنقطاع تيار الكهرباء طبعاً .... ثم بعد هنيهات - لولا هذه الحفيدة وزياراتنا المتبادلة بين الحين والآخر ، لا أدري ماذا يمكن أن يحدث لي ؟؟!... جاراه الصديق في شكواه - كلنا ذلك الرجل ، الأخطر والأدهى إن الشعور بالهزيمة ، جعل دواخلنا تتآكل ، كأنها النحر الذي يقضم "القيف" الأرض الذراعية المتاخمة للنيل في تلذذ ، ونحن بكل أسف لانحرك ساكناً!!؟.... - نحن لم نعد كما كنا ، هذا زمان مضى وإنقضى ، الآن لم يعد في وسعنا فعل شئ سوى التحسر !!؟.. جلس الإثنان على مقعدين من خيزران ، في فناء المنزل ... يحتسيان الشاي الصاموطي الممزوج بالحليب على ضوء القمر. وكل منهما يهمس لنفسه ( ما أطيب أن يجتمع صديقان في هذا الزمن القمئ ) !!؟.... كلا الرجلين كان يحمد لرفيقه أنه يحتاجه ويفكر في صحبته ويجد في معيته ما لا يجده في الآخرين ، حتى من ذوي القربى ، لماذا إهترأت حبال الوصل بين الأرحام ، لم يعد الأخ يزور أخيه إلا في الأتراح والأفراح والأخيرة ، أصبحت نادرة الحدوث ، أما "اللمة "التي كانت تجمع القريب والبعيد ، صارت معدومة تماماً ، فقط يكتفي الشقيق بالإتصال هاتفياً بشقيقه بين الحين والمين ، أما عن أبناء الخؤولة والعمومة ...... فحدث ولا حرج .... لدهشتهما ، إكتشفا أن المنلوج الداخلي لكل منهما ، تطابق تماماً ، كأنهما ذات واحدة !!؟... على صدى قرعات ثلاثة ، نهض الرجل ليفتح الباب ، ومع ولوج حفيدته عبر عتبة البوابة الحديدية ، هتف الجد فرحاً وهو يحتضن الرضيعة في حنان دافق.... - الخير على قدوم الواردين ، ها هو التيار الكهرباء ، يعود على غير العادة ، في وقت قياسى ، مقارنة بالأيام السابقة !!؟..... * * * ظل الرجل ، يحاول عبثاً ، إعادة المفقود من آصرة الرحم والود القديم كان يأخذ حفيدته ، ويذهب بها الى كل من تربطه بهم علاقة نسب أو مصاهرة .... كانوا يستقبلونه في ترحاب ويداعبون الحفيدة لهنيهات ، ثم يتذرع صاحب البيت بإرتباطه بميعاد مهم لا يمكن تأجيله ، فلا يجد مندوحة من الإنصراف وهو حسير ، وآخرون إذا سمعوا رنين جرس الباب ، يأمرون الشغالة لتنظر من خلال العين السحرية ، لو لم يكن ضاغط الجرس من غير المألوفين لديها أن تقول له لا أحد بالداخل ... أما البعض الثالث و..و... والعاشر ، حينما تعاتبه وتقول له إنك لم تزرني منذ عدة سنوات ، يتذرع بأن الدنيا في هذه الأيام الغبراء شغلت الناس ولهتهم عن واجباتهم العائلية ، وحرمتهم من بركة صلة الرحم ....... وفي نهاية المطاف ، يعود الى منزله، حزين ، مقهور ، ينعي حال الناس و فقدانهم للقيم الأصيلة المتمثلة في السلوك والتعامل مع الآخرين ، حتى لو كانوا أجانب ، فما بالهم الآن تغير حالهم وإنقلب كيانهم وصاروا ، غير ما كانوا ، لم نعرفهم ، نحن أبناء العقدين الماضين ، هؤلاء لا يشبهوننا ، ماذا تبقى لنا ولم يطله النحر ، كل شئ قابل للنحر في هذا الزمن الممسوخ ، إذا إستطعنا إرجاع كل شئ الى أصله هل يمكن إستعادة المثل والقيم والأخلاق التي كانت تميز شعبنا دون الشعوب الأخرى !!؟.... * * * في لحظة ما ، إفتقد الرجل صديقه ، فقرر أن يزوره في منزله الكائن في حلة حمد بمدينة بحري ، لم يستعن بإبنه لإصاله بسيارته الى مبتغاه ، لذلك تجشم مشقة الإنتقال من جبرا الى حلة حمد بالمواصلات العامة ، حمد ربه إنه لم يصطحب حفيدته معه !!؟...... كان بيت صديقه يقع في ذقاق ضيق أرشده أحد الصبية الى مدخله ، تريث قليلاً قبل أن يقرع الباب ، حتى يستجمع أنفاسه ، سرعان ما إنفتح الباب ليجد أمامه صبياً في العاشرة - جدو في إنتظارك ، تفضل دلف الرجل وهو يبسمل ويحوقل الى ممرات المنزل المكتظة بالأشياء والأطفال وأدوات ألعابهم المصنعة محلياً ، الى أن وصل غرفة صديقه ، المليئة هي الأخرى بالصحف والمجلات وبعض الكتب ، أجلسه الصبي على كرسي "فوتيل" قديم.. إستحالت حشاياه الى لون باهت . كانت الغرفة للنوم والإستقبال معاً ، رحب الصديق بمقدم الرجل بعد أن أنهى صلاته شاكراً له مجيئه في هذه اللحظة بالذات ؟ هذه لحظة الصفر ! لقد حان أوانها ... يجب أن يتوقف النحر !!؟... إن شعباً بأكمله منذ ما ينيف على ربع قرن يتعرض لطمس هويته وتٌصادر خصوصيته ويصبح غريباً في وطنه !!!.... أفهم كل هذا ، ماذا في مقدورنا أن نفعل ؟ ونحن لا نملك سوى الكلام في همس !!؟... أولاً سنرفع صوتنا ، ثم نبدأ بأهالي الحي و نركز بصورة خاصة على الشباب ، فهم مفجرو الثورات في الربيع العربي !!؟..... إعتدل الرجل وأسند ظهره على خلفية الكرسي وقال مٌأمناً على طرح صديقه .... - كل ما قلته هو عين الصواب ، فقط لنترسم خطى شباب نفير !!؟... - أنا وأنت سنكون في الصدارة - حتى يشعروا بأن ثمة قيادة من جيل ثورة إكتوبر تقف معهم - إذن ، لنبدأ الآن..... - حقاً لم يعد الصبر ممكناً !!؟..... فيصل مصطفى [email protected]