قفز في منتصف سريره في منتصف الدمقس والحرير قابضا بقواه كلها علي جانبي رأسه متلفتا في كل الإتجاهات باحثاً خلف الزجاج العاكس والمصفح ضد الرصاص عن صور أشباح تحمل البنادق الآلية. أفرغ ما في صدره زفرات حري وضغط بقوة أكبر علي شرايين جانبي رأسه المنتفخة والمعبأة بدماء تكاد تنفجر دون أن يسعفه تفكيره عن حل لمشاكله. توضأ وجلس يصلي ويسأل ربه بإلحاح أن يقلم أظافرهم ويقتلع أنيابهم ويقص ريش أجنحتهم وينيم يقظانهم ويكتم صوت صائحهم وأن يدخل الرعب في جوف شجعانهم وأن يذل سادتهم ويجعل المسكنة تحط علي جميعهم فقد دانت له بعد جهد جهيد إحتال فيه علي صناديد الرجال غادروا يهتفون بحياته وتفرقوا في الغابة جيفاً أشبعت الوحوش والجوارح وطرد من سيروا له العمل وأداروا دولابه وحاولوا إرضاءه ولم تشفع لهم إنحناءاتهم وتذللهم وتوددهم ومسح الجوخ والحذاء بل وإبتكار ما يقنعه بإخلاصهم ومحبته وتمثيل دور الهزلي لإشاعة المرح والجزل حتي لا يتكدر وقامت كل الفئات من إقتصاديين ,إعلاميين, سياسيين وإداريين . طلاب ومهنيين بعقد مؤتمرات تتم الدعوة فيها للداخل والخارج ويقوم بإخراج حفل إفتتاحها وختامها كبار مخرجي البانوراما والمسرحيات حيث تصاغ القرارات الفخيمة التي تهتز قاعات الاجتماعات حين يتلوها الزعيم من التصفيق والهتاف الهادر والغناء الحماسي الذي مجد الابطال ليعتقد ان ضمير الغائب يعود اليه ومن ثم يرفع عصاه ويرقص و تضج القاعة من بعده بالترديد وتقليد الزعيم. جلس حتي آذان الفجر ثم قام فصلي بآيات تدعو بأمانه وتمكينه والمسغبة والهلاك والتفرق والحرب علي غيره ثم قام للمساج من المدلك والرياضة مع المدرب حيث جري في نطاق محدود وهو يلتفت مذعوراً بين الفينة والأخري مع أنه يرتدي بدلة الصدر الواقية من الرصاص وفوق رأسه خوذة لا يخترقها الرصاص أيضا. إكتفي بهذا القدر حيث ادرك أن ذهنه لن يصفو حتي ينقضي هذا اليوم العصيب. جلس في مكتبه داخل قصره يحتسي فنجان القهوة الصباحي منتشياً بإنتصاره فقد حركت قرارته الأسد الرابض وهاج منافحاً عن وطنه ومدافعاً عن الفقير والمهيض الجناح وأصطاده قبل أن ينشب مخالبه واسال دماءه وضاع فوحها فائقاً روائح البارود وسحائب الغاز المسيل للدموع الخانق والقاتل في حالات عديدة, جلس وخلفه الحديث الذي يتحدث عن أن لله اناساً اختصهم بقضاء حوائج الناس..... وتحتها لوحة مزخرفة و مذهبة الحواف بخط كوفي عريض ( هي لله....) وكان معه ذاك الصباح مدبج مقالاته و كاتب خطاباته وملقن الأداء أمام الشاشة إذ سيلقي خطاباً إنتظره الناس في الأماكن التي كان بها من كل زوج بهيج وما كان طلعها نضيد وصارت بلقعاً يسف ترابها كل من عبرها ومن نظروا الي الإبل كيف خلقت ومن هتفوا حتي تقرحت حناجرهم ومن لبسوا البوت وتمنطقوا بعقود الذخائر ومن قرأوا عنه دعاء السفر حتي يؤوب إليهم فما عاد إلا ليخلف الأهل عندما مات صديقه فحمل الجمل بما حمل واتته الأبوة تجرجر أذيالها وكانت هما ومعضلة . يجلس دوما خلف ذاك الزجاج السميك المصفح ينظر لتقارير مختصرة من وراء نظارتيه تتحدث عن التقدم والرخاء ويستمع لمستشاريه يبلغونه بتحقيق معدل الرفاه الأعلي في العالم وتقارير كثيرة مملة التفاصيل وما أستمع لمن قال البغلة في الإبريق ومن قالوا أن بغالاً تعثر هاهنا وهاهناك وما عرف صوت المعدة الفارغة وهي تهدر ولا أنات الامراض في ليالٍ موحشة واليوم يبحث عمن يسدي له كشافاً يخرج به من نفق الورطة فلم يجد سوي الحرس القديم يهديه ويجترنصائحه المكرورة التي لم تفلح سابقا ولن تفلح مع إنسان جائع يريد لقمة مطبوخة تقيه الجوع الكافر وذل المسغبة وهدر الكرامة والإحساس بالإنسانية , إنسان سائر بلا بوصلة يتخبط في البحث عن سبل العيش والتعليم والعقار والعقار. انسان لم تعد روحه داخل جسده الا طائرا يبحث عن منفذ للدار الآخرة التي إمتدحها الزعيم لشعبه ثم تخلي عنها له لعله يجد الراحة التي نشدها في الدنيا. لم يعد الزعيم يضع الحنة والصبغة علي ما تبقي من شعر رأسه وشاربه ولحيته البيضاء ولم يستطع مدلك البشرة وخبير المظهر والتجميل إزالة تغضنا إرتفع معدله فجأة وصار مع هالات الأرق والسهر حول عينيه الجاحظتين من رعب المستقبل كأنه خارج من مستشفي أمراض عصبية ولكنه إستمسك بالخطاب المكتوب وحفظ تلقين الخطابة ولبس الجلباب الابيض ناصع البياض ومن فوقه القفطان البني المطرزة اطرافه ووضع العمامة وقابل شعبه باللغة البائرة القديمة والإستفزاز والمن وحوله كوكبة من العساكر في كامل حللهم العسكرية وقبل أن يكمل خطابه ثار شعبه فلم يعد هناك ما يفقده فقد كان جسدا مفرغا من الروح والتأمت جموعٌ من كل حدب وصوب حول مقر الزعيم الذي خرج رافعا رايته البيضاء تاركا خلفه السفينة المخروقة تغرق بمن فيها وردد هتافات الثوار علها تبعد رقبته عن اعواد المشانق. محمد عبدالرحيم مصطفي علي [email protected]