في الثورات الكثير من الملح الذي لا يستسيغه محبو الأطعمة الخفيفة حالها حال البحر: مياهه ليست عذبة ولكنها تحفظ التوازن البيئي ، فالثورات تحفظ توازن المجتمعات من طغيان الديكتاتوريات وأفرز التاريخ ثورات ظلت تلهم الشعوب وتعيش في وجدان البشرية على مرِّ الزمان. بهذه المناسبة هنالك فهم خاطئ لمفهوم الديكتاتورية ، فهو اصطلاح روماني قديم يجسد نمط نظام وضعته الدولة الرومانية كإجراء استثنائي بسيط ومكمِّل لنظام برلماني ديمقراطي أصيل ؛ فقد كان يختار مجلس النواب في روما في أوقات الأزمات التي تهدد البلاد تهديدا حقيقيا شخصية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والحزم ويتم تكليفها لإدارة شئون البلاد مع تفويضه بسلطات شبه مطلقة خلال وقت محدد يتم تقديره للعبور بالبلاد لبر الأمان ودرء الخطر المحدق بها في ذاك الوقت المُعيَّن . بعد ذلك تسقط الصلاحيات بالتقادم أو بانتهاء الأزمة . أما إن حدث ذلك في إحدى دول العالم الثالث في الوقت الراهن ، فإن الأزمة تستمر وتستمر بينما الفساد يشب ويترعرع بغرض أن تبقى مصالحهُ في الواجهة فيتفشى السرطان سياسيا واقتصاديا وفي كثير من الأحيان يرتدي عباءات دينية ليتفادى الحسابات البشرية ، وباسم الدين تحكمك القبور ...وإن حاولت الإنتقاد والمحاسبة والثورة فإنك ضد الإسلام وعلماني وضد المشروع الحضاري وداعم للإمبريالية العالمية والماركسية القومية !! فيصبح الديكتاتور مطلق اليد ولا يسأله أو يحاسبه أحد.. وتهيمن جماعته وتوابعهم من أهل المصالح ويستبيحون الأرض ويختزلون الأوطان في أشخاصهم ومن يدور في فلكهم ... ويصبح كل همهم تفصيل المشاريع التي تجلب لهم المصالح الشخصية والإمتيازات التي تنقلهم ، بل نقلتهم من حالة الفقر المدقع لحيث الثراء الفاحش .. وعندما يشبع الإنسان ويحوز مثل هذه الثروات التي في الأصل هي ليست له ولم يجمعها بمقدراته ولم يرثها من أجداده ، فسوف ترى العجب العُجاب ، فهو يسابق الزمان ليعوض سنوات الحرمان والمعاناة السابقة ؛ وإن كان من باب أولى أن يستشعر أحاسيسه السابقة تلك لتدفعه ليزيل معاناة من هم يمثلون حاله القديم ؛ ولكن يحدث العكس تماما ، بل يكون حريصا ليذل ويفقر حتى من هم ميسوري الحال ورموز الإقتصاد على مرّ العصور. فهل يا ترى هو حقد اجتماعي ، أم أنهم خربت نفوسهم وصدأت قلوبهم وران عليها الكره وحب الذات والإثرة ... فأصبحوا يتنافسون في كيفية تكوين الثروات وتشييد العمارات وقمع الثورات ... ولم يتبق من الشعارات إلا الحبر الباهت التي كُتبت به ممّا يؤكد قول الغاية تبرر الوسيلة التي يؤمنون بها ؛ فقد كانوا يرمون ويتطلعون للتغيير فعلا ولكن على المستوى الشخصي البحت ومحاربة الفقر والمعاناة التي كان معظمهم يرزح تحتها ويعاني مراراتها ... ضاربين عرض الحائط بالوطن رد الله غربته والمواطن ... الذي ضاع ما بين شعارات تُرفع وواقعٍ يَدحض !!! وهذا الحال يمكن وجوده في العديد من الأماكن من دول المنطقة .... اللهمَّ إنا نسألك العفة والعافية في ديننا ودنيانا ... اللهمَّ أستر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن يميننا وعن شمالنا ومن فوقنا ونعوذ بك أن نُغتال من تحتنا ... آميييييين .... [email protected]