بين التكهنات وتحققها على أرض دارفور أجل قصير، وهي هنا تتناول الوجهة المقبلة لموسى هلال زعيم الجنجويد عقب ما أثارته تحركاته الأخيرة في دار فور بعد مغادرته قصر الرئاسة في الخرطوم، فالمقال الذي نشره محجوب حسين القيادي في الحركات المسلحة يوم الأثنين الماضي في المواقع الأسفيرية كشف عن جانب من الخيارات المتاحة أمام هلال، إذ حثه على الانضمام إلى الجبهة الثورية.. ورأى كثيرون في حينه أن ذلك المقال لم يأت من فراغ، خصوصا وأن التباعد بين السلطة في الخرطوم وهلال لم يعد خافيا، وتمثل في صورة واضحة في صراعه مع والي ولاية شمال دار فور يوسف كبر، وقد أرسل هلال اشارات واضحة عن امتعاضه من الخرطوم، بينما سارعت الحركات المسلحة إلى التقاط تلك الاشارات ووجهت دعوة مباشرة له لتوحيد العمل ضد نظام البشير، ورد هلال التحية بأفضل منها وأبدى استعداده للعمل المشترك.. هذه التطورات قد تقلب موازين القوى في الصراع الدائر في دار فور، كما أنها تجري في ساحة حامية الوطيس ليس فقط بسبب المعارك، وإنما أيضا بسباق حقيقي لاستمالة هلال لهذا الطرف أو ذاك، وبهذا الصدد نذكر محاولات الرئيس التشادي ادريس لإعادة موسى هلال إلى بيت الطاعة في القصر الجمهوري، ويقال أن زيارة دبي الأخيرة للسودان والتي نقلته إلى بورتسودان حيث كان يتواجد البشير تضمنت تعزيز تلك المحاولات.. وستؤكد الأيام القليلة القادمة وجهة هلال التالية، ولن يتأخر هذا الأمر كثيرا خصوصا وأن الرجل يبدو أنه قد حزم أمره مسبقا وقرر مواجهة النظام بعد أن رأي ضعفه البائن في التعاطي مع المسالة الدار فورية.. ويبقى معرفة الجهة التي ستحتوي هلال.. ويثور سؤال .. لماذا تخطب الأطراف المتناحرة ود موسى هلال؟ ربما يفيد أولا الاشارة إلى تجربة الحركات المسلحة المريرة مع هلال، فهو كان الذراع القوية للحكومة لمواجهتها خلال سنوات الحرب الأولى في مطلع الألفية الثالثة، وبالتالي هناك مرارات متراكمة بينه والحركات لم يكن معها من الممكن مجرد التفكير في مثل هذا التحالف.. أما الاجابة على السؤال فإنها تستقرئ واقع أحوال متدهورة بصورة يومية في دار فور، وقد أعادت التطورات الدموية الأخيرة مشاهد تلك السنوات الأولى التي تميزت بالقتل الجماعي وحرق القرى وحركات نزوح هائلة للمواطنين وصلت إلى أرقام مليونية وحاليا تدور الأرقام حول 120 ألف نازح، ومن الطبيعي أن تنشأ مواقف جديدة أزاء هذا التدهور، وقد كانت تحركات هلال ضمن هذه المستجدات.. الاجابة قد تتضمن أيضا أن هلال يتوفر على قوى عسكرية معتبرة بمقاييس الصراع في دار فور، فهو استفاد كثيرا من الدعم الحكومي له أثناء حربه، نيابة عن الحكومة ضد الحركات، ومن المؤكد أنه خلال وجوده في القصر لم يضع وقتا كثيرا في قراءة الوقائع، بما في ذلك النظر في الخيارات المتاحة، ازاء الضعف الحكومي في دار فور، وأن ذلك يستدعي السعي لتقوية وجوده العسكري، وليس بعيدا عن الأذهان تلك الفرصة الذهبية التي جعلت ترسانات الأسلحة الليبية متاحة أمام كل القادرين على الاغتراف منها في ظل الفوضى التي حدثت أيام الانتفاضة ضد القذافي، كما أن هلال رأى أن وجوده في الخرطوم لن يكون بأفضل من ذلك الوضع الذي وجد فيه مناوي نفسه بعد اتفاقه مع النظام، ولهذا فإنه ومناوي يقتسمان ذات الاحساس، وذلك ما قد يفسر أن التقارب بين الرجلين يستند في جانب منه إلى الخبرة التي تلقاها كل منهما خلال وجوده في القصر.. ولدى هلال بالطبع دوافعه الذاتية ف " الجنجويد" الذين كان يمثلهم ويقودهم لم يعودوا ذات أولئك الجنجويد، فقد تم استنساخ جماعات جديدة منهم تحت مسميات شتى أبرزها قوات الدعم السريع، تحت قيادة حميدتي، ويخشى هلال أن تسحب هذه القوات الجديدة البساط من تحت قدميه، خاصة أن هؤلاء يحظون بدعم حكومي كبير، وأنه يتم التغاضي عن الكثير من جرائمهم بما في ذلك قتل المدنيين العزل في كردفان التي تم طردهم منها، وقد نجوا من عواقب تلك الجرائم، واستقروا في دار فور ليس بعيدا عن هلال، وقد قال عنهم محمد بن شمباس رئيس البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في دارفور " إن الهجمات المستمرة على قرى المدنيين ومخيمات النازحين التي يعتقد أن قوات الدعم السريع هي من قام بها، أمر مقلق وقبيح وعيب لجهودنا للحوار". وهو هنا يشير إلى هجمات جنجويد حميدتي الأخيرة في دار فور.. التكهنات حول هلال تشمل أيضا مستقبل علاقاته مع جماعة حميدتي، وما إذا كان الأخير سيظل يلعب الدور الدموي التاريخي للجنجويد أو أنه سيميل إلى هلال ويفقد بالتالي الدعم الحكومي.. بالعودة إلى رسالة محجوب حسين إلى هلال نرى أنها تضمنت صيغة العصا والجزرة، وضمن هذه الأخيرة ( الجزرة) هناك اشارات واضحة إلى العلاقات الطيبة التي كانت سائدة في دار فور قبل سنوات الصراع، مع التذكير بالروابط الوثيقة التي كانت بين عشيرة حسين وأهل هلال، وأن ذلك الوضع المثالي يمكن استعادته مجددا إذا صدق عزم الأطراف في دار فور وإذا ادركوا فعلا أنهم يواجهون عدوا مشتركا. وبالنسبة للعصا فقد نبه محجوب حسين هلال في مقالته بعواقب عودته إلى الخرطوم مجددا، وذكره أن النظام غير مأمون الجانب وأن العودة المحتملة لن تشفع له في الغدر به طالما أنه رفع البندقية في وجه النظام أو أنه أراد أن يفعل ذلك في يوم من الأيام. وشملت التحذيرات أيضا خطورة الوضع الأقليمى لهلال في اطار سياسة دولية تتبناها فرنسا وتقضي بمحاربة " الجماعات الجنجويدية" من موريتانيا إلى مالي مرورا بالنيجر وإلى السودان.. ولا نقول أن هلال غير مدرك لهذه المخاطر، فهو حتما يتحسس مواقع اقدامه وسط رمال متحركة، ومع ذلك فإن الرسائل إلى هلال عندما تأتي من أطراف ضد النظام قد تشجعه على الاقتراب من تلك الأطراف، خاصة وأن محجوب حسين لم ينسى تأكيد الاستعداد لطي صفحة الماضي بكل ما فيها من دماء وضحايا.. ومع ذلك فإنه لا يمكن القطع بما سيؤول إليه وضع هلال فقد أثبت سابقا أنه يمكن يميل إلى حيث يمكن أن يحقق وضعا مميزا.. -------------------------- [email protected]