مدير الإدارة العامة للمرور يوجه باستمرار تفويج البصات السفرية يومياً للحد من الحوادث المرورية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    الفنانة نانسي عجاج صاحبة المبادئ سقطت في تناقض أخلاقي فظيع    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهزلة حد الردة، أكذوبة تاريخ..!!
نشر في الراكوبة يوم 16 - 05 - 2014

لا يوجد شئ أساسا شئ إسمه حد الردة، ولكن علماء السلطان هم من أشاعوا هذه الفرية عن قصد أو دون قصد، كما لأحدهم عبارة مشهورة "لولا حد الردة لما بقي الإسلام"!!.
من غير المعقول وعدم العدل والإنصاف أولا أن ندعي بأن حد الردة على المرتدين هو ما أسهم في بقاء الإسلام. فالإسلام دين جاء بالحرية للناس جميعا ليختاروا على طبيعتهم دين الفطرة. والإسلام أطهر وأنقى وأشرف من أن يمس بدنس أي منافق أو أي مرتد، كما يقول الحديث القدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا).
حرية الإختيار أساس في دين الله..
وهناك الكثير من الآيات مكية كانت أم مدنية تؤكد حرية الإختيار. وذكرت لك مكية ومدنية لأن الإسلام من الوهلة الأولى لم يجبر أحد عليه، من ((قل يا أيها الكافرون... لكم دينكم ولي دين))، مرورا ب ((فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر))، إلى ((لا إكراه في الدين)). فكلها تؤكد حرية الإعتقاد والإختيار. وآية ((لا إكراه في الدين)) بالذات تؤكد انك لا يمكن ان تكرهني على الدين، فقد تبين الرشد من الغي، ((فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة والوثقى لا إنفصام لها)) [البقرة: 256]. أي من يختار بكامل إرادته وحر إختياره الإيمان بالله وحده، سيكون معافى من اي إنفصام. ولكن من يكون مكرها فسيكون في لب حالة إنفصام داخلي أو حالة شيزوفرينيا، كما يسميها علماء النفس. أي سيكون مرائيا ومنافقا ليس إلا، ولن يتمكن بالإكراه الإستمساك بالعروة الوثقى، وهي صميم التمسك بالدين والإيمان بالله.
وغيرها هناك عشرات الآيات تقرر حرية الإختيار مقابل حديث واحد لا أدري من أين أتوا به يقول: "من بدل دينه فأقتلوه"، وهو حديث أحاد وليس بعزيز، أي رواه شخص واحد. فلا يمكن ان يصمد مع صريح الآيات فإذا هذا الحديث يمثل دينهم هم. فلا يمكن ان أترك المصدر الرئيسي (القرآن)، والذي به عشرات الآيات التي تؤكد حرية الإختيار، وأذهب إلى مصدر ثانوي.
ولربما يكون هناك مناسبة مخصصة ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث. فلا يمكن أن يكون قالها صلى الله عليه وآله وسلم تعميما ليخالف أيات الله مخالفة صريحة في حرية الإختيار.
وحتى أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تناقض تماما ما يزعم أنه يقتل من يرتد. فالكثير من السذج يعتقد بأن الناس في زمن رسول الله كانوا إذا دخلوا الإسلام وقر الإيمان في قلوبهم، وكانوا خالصي الإيمان. ولكن هذا ينافي التأريخ وواقع النفس البشرية التي تتقيد كثيرا بالمروثات والتقاليد. فالكثير كانوا متذبذبين وإرتدوا ولكن لم يأمر الرسول بقتلهم بتاتا.
وكما في الحديث الشريف: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)، ولم يقل صلى الله عليه وآله وسلم يأسلمانه، لماذا؟. لأن الإسلام هو الفطرة. والإنسان لا يصل للفطرة إلا بالحرية. ولو ترك أي إنسان بفطرته وعلى سجيته دون تأثير بيئي لأختار الإسلام قطعا.
ونحن ولدنا على الفطرة و بالتاثير البيئي، ومجازا يمكن ان نقول أبوانا أسلمانا او تأسلمنا. وهذا من بختنا أن الحظ ساعدنا لأن نكون في هذه البيئة ونكون في نصف الطريق. ولكن يجب علينا أيضا الوصول للإسلام بفطرتنا وترك الأسلمة أو التأسلم. ولا يمكن أن نبلغ ذلك إلا "بلا إكراه في الدين" و بحرية الإختيار.
تاريخ مزيف..
وجاؤا من التاريخ بأن الصديق أقام حروبا على القبائل المرتدة عن الإسلام والتي لم تدفع الزكاة!. فلا تعتقد أيضا كما يعتقد السذج بأن الامور سارت على ما يرام بعد وفاة النبي صلوات الله وسلامه عليه، بل بالعكس. فقد تربص أعداء الإسلام وهموا بالقضاء عليه وتألفت القبائل لمهاجمة أصحابه. فكانت تلك الحروب لرد عدوان المعتدين فقط. ولكنها حورت لتسمى حروب الردة لكي يستفيدوا منها في التحكم والسيطرة على الناس في حرية إختيارهم، ومن ثم يقننوا للسلاطين والحكام لينهبوا أموال شعوبهم بالجبايات الشرعية.
وقد بينت هذه الفرية في سلسلة "أنا النبي لا كذب" بالتفصيل. وإليك بعض التذكير.
ليست إمتناعا عن الزكاة:-
أولا: كل العبادات الإنسان حر فيها، و يؤديها العبد فرديا. فإن فعلها أو لم يفعلها فجزاه عند رب العالمين. فلا أفهم كيف منعت تلك القبائل الزكاة بصورة جماعية!!!. ولم نسمع بأن أحد قتل كحد لأنه لم يدفع زكاة ماله. وإذا إفترضنا صحة ما يزعمون، ففي القبائل هناك فقراء وأغنياء؛ فكيف يعاقب الله الفقراء على فعل الأغنياء والقرآن يقول: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) [الإسراء: 15].
وثانيا: الزكاة هي إخراج نسبة من المال أو ما شابه إذا حال الحول عليه، وهي ليست ثابتة. ففي عام يمكن أن تخرج أكثر وفي الآخر يمكن أن تخرج أقل وفي عام يمكن أن لا تخرج. فتتطلب الزكاة من العبد نفسه أن يكون محصيا للمال الذي يخرج منه زكاته وحافظا لوقت إخراجها عندما يحول عليه الحول. فلا أحد يمكنه معرفة ما هو المبلغ الذي يجب أن يدفعه العبد أو الوقت المستحقة فيه الزكاة إلا الشخص نفسه.
ولكنهم للأسف ألصقوا بفم الصديق المقولة: "والله لو منعوني عقال بعير كان يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم على منعهم". فكيف ذلك والزكاة عبادة فردية، ومتغيرة أساسا في كل سنة. فما كان يدفع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممكن أن يكون متغيرا عن عقال البعير في السنة التالية!.
وإذا زعمنا بصحة أن الزكاة يجب أن تجمع بالقوة من الناس، فهنا لابد لنا من إمكانيات وطراز عالى من المتابعة والدقة والتوثيق والدفاتر والإدارة والمحاسبة لكي لا نقع في خطأ ويأكل حق الناس بالباطل. ولا أظن ذلك كان متوفرا في تلك الفترة للصديق، ولا يمكن أن يمتد الأمر للقتل في أمور غير دقيقة، وكيف يلقى الناس حتفهم على جريرة غير أكيدة؟.
وإذا فكرنا قليلا، ولماذا الزكاة التي حاربهم عليها الصديق وليست الصلاة؟. فالأولى أن يقاتلهم على الصلاة لأنها عماد الدين. والصلاة يمكن أن نعرف من يؤديها بالضبط دون أن تؤخذ كل القبيلة بجريرة الممانعين. فما عليهم إلا القوف في المساجد ومعرفة وتحديد بالضبط من يحضر الصلاة ممن لا يحضر، ومن ثم قتله إذا كان يجوز القتل في عدم تأدية عبادة من أساسه.
قضية الزكاة كان من المهم للمجرمين ان يلفقوا لها تلك القصة للتشريع لقهر الناس وإرهابهم بالقتل للتحكم فيهم، ومن ثم لأخذ أموالهم للسلاطين والحكام بالقوة الشرعية. مما يعني جمع سلطة التحكم بالناس دينيا وسلطان المال في أيديهم. وهذا هو الفكر الذي أصل لتلك الكذبة ليتسنى له مستقبلا الوقوع في الناس تقتيلا وسفك دماءهم للحصول على الغنيمة و يقنن لجباياته أموالهم بصورة شرعية. و بذلك تشوه مفهوم الزكاة كعبادة وإلتبس على كثير من الناس.
وليست للخروج من الإسلام:-
أما إذا قلنا إن الصديق حاربهم للخروج من الإسلام فهذا أساسا ليس مبررا لشن تلك الحروب عليهم إلا إذا قاموا بالعدوان على المسلمين كما أوضحنا، وحكمهم هنا حكم الكافر المحارب. ولكن بنفس مفهوم تضليل العقول ولمآربهم فقد روجوا لهذه الفرية.
أولا، وكما نعلم، فإن الدخول في الإسلام بطريقة واحدة ومعروفة وهي النطق بالشهادتين، بغض النظر إن أدى ذاك الناطق للعبادات -كالصلاة والزكاة والصوم- أو لم يؤديها، فإنه يعتبر مسلما.
أما الخروج من الإسلام يكون بإحدى طريقتين:
- بالنفاق: وهو التقيد ببعض أوامر الدين ونواهيه وترك البعض الآخر. فكما كان أهل الكتاب يفعلون: ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)) [البقرة: 85]. وكما ذكرنا سابقا فإن النفاق لا يعلمه إلا الله تعالى والعبد الذي لا يتقيد بأوامر الله. و المؤمنون يجب أن يتعاملوا مع بعضهم تعاملا عاديا لأن الله لا يأمر بتفتيش الضمائر. ولا يجب نعت مؤمن كائن من كان أو جماعة بالمنافقين، بل هم إخوان في الدين، كما ذكرنا سابقا في قوله تعالى: ((فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين)) [التوبة: 11]. ولكن إن أظهروا العداء فهناك شأن آخر معهم.
- أما الطريقة الأخرى وهي بالردة الصريحة. والردة هي إعتقاد الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر بعد نطق الشهادتين. وليس هناك عقوبة للمرتد مذكورة في القرآن وآيات الله تؤكد حرية الإختيار كما ذكرنا اعلاه، أو بما يعرف بالحدود كمفهوم مغلوط.
والمنافقون لاتعلمهم، والمرتدون تعلمهم، ولكنهم في النهاية سواء إذا لم يعادوا المسلمين والناس، و اخترقوا قواعد السلم والأمان. فعلى المجتمع المسلم أن يعاملهم بالعدل كما يقول تعالى ((ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا)) [الأحزاب: 48]. ولكن إن إعتدوا وقاتلوا، فعلى المسلمين قتالهم كما يقول تعالى: ((وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)).
وفوق ذلك كله فإن الله هو الذي يجازي عباده في النهاية، وإن مصير المرتد بالكفر والمنافق واحد. ((وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم )) [التوبة: 68]. بل وإن المنافقين أضل منزلة من المرتدين الكفار؛ ((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)) [النساء: 145].
مفهوم الحدود..
وإذا رجعنا إلى كلمة حدود والتي تعني limits، ومفردها حد وهي الفواصل التي تحيط بك، نجدها تمثل حدود الحرية. فالحرية هي أن تلتزم بحدودك في إختياراتك ولا تتعدى على حدود غيرك. أي إحترام الكل للآخر. وتجاوز حدودك أو عدم تجاوزها ترجع إليك في النهاية. ولكن إن تعديت على حدود غيرك في حد، لابد من عقوبة لتلتزم بحدك. ولذلك يجب أن لا نخلط بين الحدود والعقوبات.
فالحدود هي ليست العقوبات. والحد ليس العقاب، بل هو الحد الفاصل بين ما حرمه الله عليك وأحله لك. ((تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)) [البقرة: 187]، وفي هذه الآية بيان للمتقين. ((تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)) [البقرة: 229]، وفي هذه نذير للمتعدين.
فالحد ما يجب ان تراعيه أنت بحريتك وبحسب تقواك. وهناك حدود كثيرة أنت فيها رقيب على نفسك لا أحد سواك، وليس لها عقاب أحد عليك (دنيوي)، من غض البصر، و ك ((ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد))، والتعامل مع المطلقة. لذلك يمكن أن يخرق المسلم كثير من حدود الله، التي لا يعرفها أحد عنه إذا كان لا يتقي الله. ولا جدوى من تطبيق العقاب إذا لم يطبق أحد الحدود على نفسه. فالحدود التي وضعها القرآن العظيم هي الخلق القويم الذي إذا سرت عليه تكون سرت بالشريعة.
أما العقوبات الظاهرة فهي ما أثبته المؤمنون عليك في تعدي جرم ظاهر بغرض التطهير من الذنب في الدنيا قبل الآخرة، وضمان حياة الأمان للجميع، وليس للتشفي والإنتقام. و العقوبات المذكورة في القرآن صراحة هي لخمسة حدود فقط: القتل، الحرابة، الزنا، السرقة، القذف، وكلها تؤكد عدم التعدي على الحريات.
لا عقوبة للردة..
فمن يريد أن يخرج من الإسلام يضمن له رب العزة خروج آمن في كتابه العزيز. فالله تعالى يحترم إختيار الإنسان من البدء، وهو الرحيم بعباده و أحرص من أي إنسان يدعي إجبار الناس على بقائهم مسلمين، أو المحافظة على دينه. والله تعالى يغار على حرية عباده وقد خاطب الرسول صلوات الله وسلامه عليه صراحة: ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين* وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون)) [يونس: 100]. ((فذكر إنما أنت مذكر*لست عليهم بمسيطر*إلا من تولى وكفر*فيعذبه الله العذاب الأكبر)) [الغاشية: 24]. فحساب الإرتداد والكفر عند رب العالمين.
ويقول الله تعالى: ((ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار)) [البقرة: 217]. فليس هناك عقوبة/حد للمرتد أساسا مذكور في القرآن. فلا إكره في الدين أصلا، بل هناك حرية تامة للناس في مشيئتهم بمواصلة الإسلام بالإيمان، أو الكفر بالخروج من الدين.
وإذا تفكرنا وعقلنا نجد ان إكراه الناس في الدين حد أيضا لا يجب أن يتعداه المتمسك بالشريعة. وهذا ما يمكن ان نسميه حد حرية الإيمان. فلا يمكن تنفيذ عقوبة القتل للنناقض حد حرية الإيمان أو حرية الإختيار، ونقتل إنسانا ونفسا لذلك بغير نفس.
قتل النفس بالنفس فقط..
والله سبحانه وتعالى يقولها واضحة وضوح الشمس في كتابه العزيز: ((من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكانما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكانما أحيا الناس جميعا)) [المائدة: 32]. وضع مليون خط تحت "بغير نفس". فهذه النفس، أي نفس- مسلمة، كافرة، منافقة، مرتدة- خلقها الله حرة في إختيارها ولا يجوز أصلا قتلها تحت أي ظرف، إلا في حالة قتلها نفس أخرى أو الفساد في الأرض ومعناها هنا الحرابة، وهي أيضا قتل عصابة لجماعات من الناس. فلا وجود للقتل إلا قتل النفس بالنفس وكفى.
والله سبحانه وتعالى يعظم ويعز نفس الإنسان البشرية الواحدة بأن قتلها يمثل قتل جميع الناس، أي فناء الأرض، وبالمقابل يفتح باب الحياة مقابل الحياة، ليكون أي إنسان حر على امل أن يصل بالفطرة إلى دين الله. ويقول الله تعالى: ((ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)) [الأنعام: 151]. وجاءت كلمة الحق معرفة بالألف واللام بالضرورة للتأكيد إن كان هناك من الأساس حق يستدعي قتلها، أو بغير الحق الذي يستوجب للقتل في هذا الامر، وهذا الحق فقط هو أن تكون قد قتلت نفسا أخرى؛ كما في الآية ((من قتل نفسا بغير نفس)).
فالله سبحانه عدل مطلق. شئ مقابل شئ. ((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والسن بالسن والجروح قصاص)) [المائدة: 45]. فهو قد كتب، ولا يجوز لنا ان نمحو ونستهين ونستهون. و هو الذي وهب الحياة وقسم الناس فمنهم كافر ومنهم مؤمن. وهو تبارك وتعالى يريد بأن لا يكون فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، كما إستفهمت الملائكة عليهم السلام. ولكن هناك أناس حريصون بأوهى الأسباب واهونها لهدر الدماء وقتل البشر مما ينفر من دين الله البعض فيشكك إيمان المستمسكين بعروته الوثقى، ويصد كثير من خلق الله الذي يريدون التعرف على دين فطرتهم.
لا حرية لا دين..
أو ليس إننا نعني بإجبار الناس على الدين جعلهم منافقين؟ ليس إلا. فيمكنك أن تجبر أي حصان للذهب للنهر ولكنك لا يمكنك أن تجبره أن يشرب منه أبدا.
لقد قتلوا الأستاذ محمود محمد طه ظلما، وهاهم اليوم بعد ثلاثة عقود يريدون تكرار نفس الجريمة بإسم الدين في مريم يحي ابراهيم. فقد إتخذ تجار الدين المجرمون، وكل من يريد أن يحكم بالفاشية الدينية (كالجماعات الإرهابية: من بوكو حرام للقاعدة وداعش وغيرها ومن لف لفهما)، هذه الأكذوبة التاريخية وفلسفة قتل المرتد لتمكين أنفسهم ومصالحهم الدنيوية.
وإذا اردت أن تعرف أبعاد هذا الموضوع تأمل أيها القارئ اللبيب هذا التعليق لأحد المعلقين الأفاضل [حريات: الحُكم بإعدام مريم يحي: 15-05-2014]، والذي يقطن في أستراليا: "ان الوضع الحالي للانقاذيين في السودان ترك الكثيرين يفكرون بالخروج عن ملتهم و ما قصة مريم الا ضغوط معيشية..
هنا في استراليا نجد الكثير من ابناء بعض الولايات السودانية و التي لا توجد فيها مسيحي واحد ,نجد الكثيرين اعتنقوا المسيحية كدين و انا اعرف العشرات من ابناء تلك الولايات مثلا دارفور اعتقوا المسيحية و عند سوالي لهم اجابوا ان ناس الانقاذ و تطبيقهم للاسلام هم السبب المباشر لترك ملتهم.." إنتهى.
وهذه هي الخطورة. ولكن الإنسانية كلها تسير نحو الفطرة، فكما أوقف العالم الرق والعبودية، وللأسف كان المسلمون آخر من يوقع على الإتفاقية، فسيوقف القهر الديني وتكون الحرية الدينية من حقوق الإنسان. وكل هذه الفطرة التي لا يعترفون بها هي الإسلام.
فهؤلاء لا يمثلوا الإسلام، أو بالأحرى الإسلام لايمكن ان يمثله أشخاص. فمتى يعي الناس بطلان إسم "إسلاميون"، والذي يؤدي لإصاق أفعالهم بالإسلام، ناهيك عن أنها لا تمت بصلة أساسا له. وما بني على باطل فهو باطل.
لابد من الوقوف لمنع إرتكاب هذه الجريمة. ولابد من التصدي بقوة للتشويه الذي يتعرض له دين الله الحنيف. ولابد من الحرية لنا جميعا. فكيف يستعبدنا كائن من كان بإسم أي شئ، وحتى بإسم الإسلام، وقد ولدتنا امهاتنا، وخلقنا الله احراراً.
سيف الحق حسن
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.