1- عودة لاحداث قديمة: ************* (أ)- في مفاجأة داوية اذهلت الجميع داخل السودان وخارجه ، قام عمر البشير وبتاريخ اليوم الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 1999، والموافق 4 رمضان 1240ه، بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في جميع انحاء البلاد، وإقالة الدكتور حسن الترابي من كل مناصبه الدستورية وكرئيس للبرلمان، وايضآ عزله من الحزب الحاكم، وابقي علي الترابي بالحجز الموقت في بيته تحت حراسة أمنية شديدة، ومنع عنه الزيارات حتي من اقرب الناس له . وماكان هناك من حلآ اخر امام اعضاء المؤتمر الوطني الا تحديد كل عضو فيه موقفه صراحة من "الثورة التصحيحية" -كما سموها-، وان كان هو مع "جناح القصر" التابع للبشير ومؤيدآ له... ام مع "جناح المنشية" التابع للترابي. (ب)- قصة الخلاف بين البشير والترابي لها اكثر من بداية التوالى الدستور مذكرة العشرة البيروستريكا السودانية لكن المهم هنا محطتان الاولى تتعلق بالولاة بالتعيين ام بالانتخاب وصلاحياتهم والثانية تتعلق بمحاولة استحداث منصب رئيس الوزراء. العالمون ببواطن الامور في شأن السودان يلمحون الى ان قصة (الولاة) لها اكثر من بعد.. اولها ان طرح الترابي كان يهدف الى تجريد رئيس الجمهورية من واحدة من اهم صلاحياته ومن وضع الولاء المباشر الذي كان يربط الاقاليم برئيس الجمهورية, البعد الثاني ان الترابي اراد عبر اعمال مبدأ انتخاب (الوالي) الاعتماد على تحالفات وعصبيات قبلية ارتأى انها تشكل الجسم الاكثر صلابة في الواقع السوداني. اما البعد الثالث.. فهو ان الترابي كان يضمن نفوذه وشعبيته وسط رموز هذه العصبيات وبالتالي كان يطرح انتخابها ليصنع طابورا خامسا له. اما فيما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء فالبعض يرى انه كان ابعد من مجرد استحداث منصب وانما كان محاولة صنع ما يشبه الانقلاب في الحياة السياسية بقلب النظام السياسي من نظام رئاسي الى نظام برلماني يتحول فيه البشير فعليا لا اكثر ولا اقل من رئيس بروتوكولي. (ج)- صابر نايل الباحث في البرنامج الاقليمي لحقوق الانسان والمتخصص في الشأن السوداني يرى ان الخلاف ابعد من نقطتي (الولاة) و(رئيس الوزراء) اذ يرى (نايل) ان الخلاف بدأ منذ اعلان (البيروستريكا) السودانية والمتمثلة في قانون التوالي والدستور (الذي اقر دولة تعددية ثقافية لا دولة دينية) واتفاقية الحكم الذاتي. وطبقا لما يعتقده (نايل) فان (الترابي) اختار على سبيل المناورة ادعاء الانحياز الى المجتمع المدني والهامش الديمقراطي المحدود بما يضعه في مواجهة السلطة التنفيذية. (د)- الدكتور ابراهيم الامين عضو هيئة القيادة في حزب الامة السوداني يرى انه من الخطأ تحميل الامر اكثر مما يحتمل واستخدام ادبيات السياسة الغربية بادعاء وجود تيارات. ومن وجهة نظره ان الامر لا يتعدى صراعا بين شخصين من قمة السلطة على النفوذ كل منهما يريد ان يستأثر بأكبر حجم ممكن ولكل منهما دائرة انتفاع اضافة الى سجل تصفية حسابات لها عمر عشر سنوات وانه خطأ فادح ان يتم التصور ان هناك حركة اصلاح. (ه)- فاروق ادم امين اعلام التجمع الديمقراطي الهيئة السياسية التي تضم حركة المعارضة السودانية بكل ألوان طيفها.. يؤيد كلام ابراهيم الامين ويرى ان الامر لا يتعدى انقلاب شخص البشير على شخص الترابي وانه ضد نظرية (التيارات) ويضرب مثالا على ذلك ان على عثمان طه الشخص الذي دبر انقلاب يونيو 1989 هو نفسه الذي دبر انقلاب البشير على الترابي اليوم وهو شخص معروف انه من صقور الجبهة الاسلامية وغلاة المدافعين عن شططها, كما يضرب مثلا اخر بمتابعة الاسماء التي حازت على موقف البشير بشكل سريع وغير متوقع ليؤكد ان البحث عن صراع تيارات عن متشددين ومعتدلين او مضللا ويعاقبه سيكون مضللاً. (و)- ازرق زكريا عضو الهيئة القيادية بالحزب القومي لا يستبعد حتى اللحظة ان يكون الأمر تقسيم ادوار لان هذا من وجهة نظره حدث عشرات المرات, لكنه حتى ولو كان ذلك مستبعدا فهو يراه طبيعيا لان الجبهة الاسلامية مبنية على اساس اقصاء الاخر وما حدث مجرد تطبيق لهذا المبدأ داخليا هذه من جهة فان هناك المؤسسة العسكرية والعسكريون يميلون الى تغليب دور الدولة القومية على ما عداها من اعتبارات. (ز)- موسى يعقوب (كاتب سوداني) يرى ان ما حدث هو خلل في عقد الشراكة بين الاطراف الحاكمة. ان هذا الامر تأخر في حالة حكم البشير الترابي عشر سنوات الا انه كان طبيعيا ان يحدث بعد ان نشطت السلطة السيادية والتنفيذية في الفترة الاخيرة سواء على صعيد الوفاق الوطني حيث كانت قرارات اطلاق سراح المسجونين السياسيين وارجاع الممتلكات ورفع حظر السفر عن المعارضين واتفاق جيبوتي او مجال العلاقات الخارجية مع مصر او زيارة البشير لاثيوبيا او اتفاق نيروبي الذي تم توقيعه بين الرئيسين عمر البشير ويورى موسيفيني. اننا بصدد جملة تفسيرات تتراوح ما بين ان القصة كلها استمرار لمسلسل تقسيم الادوار حتى بعد ان وصل الخلاف لما وصل اليه (وهؤلاء يستشهدون بحادث وضع الترابي نفسه يوما في السجن عند بداية الانقلاب ليدللوا على خطورة تكتيكات الجبهة). وتصل الى افتراض الطلاق بين الجبهة الاسلامية والانقاذ بين الاصولية والعسكر.. او الكاب والعمامة. (ح)- هناك ايضا عامل آخر شجع البشير على التصعيد وهو وجود ثغرات للتفاعل الاقليمي وخاصة بعد المبادرة المصرية الليبية. غازي سليمان رئيس الجبهة القومية الديمقراطية (جاد) يرى ان السبب في التصعيد هو ان البشير ادرك بأنه لو لم يتخذ هذه القرارات فسيفقد كل سلطاته وقد تأكد له ان الخطر آت لا محالة حين رفض البرلمان تأجيل مناقشة التعديلات الدستورية مرة ثم رفض حتى الاجتماع به في المرة الثانية.. ولم تكن امامه سوى ساعات حتى يصبح 26 واليا ممثلين لكل ولايات السودان خارج دائرته تماما.. وبالتالي اصبح البشير في وضع لا يحسد عليه اما ان يطيح او يطاح به. (ي)- اما الدكتور حسن وفي اول تعليق له عن تفسير التصعيد المفاجىء ضده فقد قال في تصريح له حملته وكالات الانباء في 18/12/1999: لم يكن هناك خلاف بيني وبين البشير على الوفاق او تحسين العلاقة مع دول الجوار لكن لا علم لي اذا كانت دوافع البعض الى ذلك هي بعض من حلقات احكام المؤامرة في الانقلاب على الدستور لا صحة لما يقال ان للمعارضة يد في ذلك او ان هذا اكمالا لحلقات التقارب بين البشير والمعارضة. (ك)- بعد هذه المقدمة الطويلة، والتي استعنت فيها ببعض المقالات، وايضآ، من مواقع سودانية كتبت عن موضوع انقلاب البشير علي الترابي واطاحته من كل مناصبه الدستورية والحزبية، نسأل: 1- هل كان علي عثمان وراء خطة الانقلاب علي شيخه الترابي؟!! 2- لماذا انحاز علي عثمان لجانب البشير ضد الدكتور الترابي؟!! 3- ماهي اصلآ بوادر الخلافات بين الترابي وعلي عثمان، مما حدا بعلي وان ينقلب عليه؟!!..ولماذا هذه السرية المبالغ فيها حول دور علي عثمان في الاطاحة بشيخه؟!! ..وهل هناك خطوط حمراء حول الاطاحة؟!! 4- هل سعي الترابي للاطاحة بالنائب الاول علي عثمان واحلال الدكتور علي الحاج مكانه بالقصر، ولما عرف علي عثمان بخطة الترابي، تغدي به قبل ان يتمكن الترابي من تنفيذ خطته؟!! 5- في ديسمبر من عام 1999 تمت اطاحة الترابي...وفي ديسمبر 2013 اطاح البشير بعلي عثمان، فهل كان الترابي هو من اوعز للبشير باجراء اطاحات في نظامه تشمل: علي عثمان، ونافع، وحاج ساطور، وعوض الجاز، مقابل ان ينضم الترابي بحزبه ل"جناح القصر"؟!!علمآ بان البشير كان قد التقي في شهر اغسطس 2013 بالترابي وصلاح قوس في جلسة طويلة، جاءت بعدها في شهر ديسمبر اطاحات العجائز في القصر والحكومة!! 6- هل هي محض صدفة وان يجئ لقاء البشير بالترابي في "بيت الضيافة" - مارس 2014-، وبعد اقصاء علي عثمان من منصبه كنائب اول؟!! (ل)- واخيرآ: صرح الترابي في احدي المرات، انه عندما يلتقي بعلي عثمان صدفة او باحدي المناسبات الاجتماعية ، يكون هذا الاخير خجلآ طوال المقابلة!! (م)- الشكر وكل الشكر للمواقع التي اقتبست منها بعض المعلومات... بكري الصائغ [email protected]