شهدت الساحة الثقافية السودانية مؤخرا نشاطا سينمائيا و حراكا مقدرا و ملحوظا توجت دينماكياته في زروتها بمهرجان للسينما المستقلة بداية العام الجاري تحت اشراف سودان فيلم فاكتوري اشتمل علي ورش و عرض أفلام من داخل و خارج البلاد ليؤسس بذلك لقاعدة سينمائة وطنية صلبة و عريضة أتت أكلها و استوت سوقها و لا ذالت تثمر كل يوم لتقدم لنا الجديد المفيد في شكل أفلام سينمائية سودانية هادفة و موضوعية تعالج قضايا اجتماعية مختلفة بمعايير عالمية. من أهم الأعمال السينمائية السودانية التي تم انتاجها أخيرا في فترة ما بعد المهرجان هو فيلم الملكية جوبا من اخراج الأستاذ مزمل نظام الدين عضو التيم المنظم لمهرجان السينما المستقلة و سودان فيلم فاكتوري و الذي يعتبر أحد الشباب الواعدين في هذا المجال. الفيلم يعتبر من الأفلام الرمزية اذ يناقش موضوع انفصال الجنوب في منظور اجتماعي و سياق تاريخي و يعتبر إجابة بصرية فنية لسؤال نظري طرحه الدكتور منصور خالد في كتابه السودان اهوال الحرب ..وطموحات السلام... و هو هل يمكن للسودان ان يصبح امة واحدة؟؟ بذل فريق عمل الفيلم قصاري جهدهم الفني للإجابة علي هذا السؤال المحوري ومناقشة قضية انفصال الجنوب في المنظورين التاريخي والاجتماعي في رحلة مليئة بالشجن و الدموع تلحظها خلال مشاهدتك للفيلم. زمن الفلم حوالي 37 دقيقة و هو فكرة الأستاذ أحمد سيد و سيناريو الأستاذ عثمان نظام الدين و تصوير الأستاينذ محمد صلاح و مزمل نظام الدين و مونتاج الأستاذ عبد الرحيم كتاب. فريق الملكية جوبا هو فريق رياضي من جنوب السودان شارك في بطولة الاتحاد الافريقي لكرة القدم و في وقتها رفض الاتحاد الافريقي اقامة مبارة تجمع فريق الملكية بفريق من الكنغو الديمقراطية في مدينة جوبا لأسباب أمنية و عدم أهلية استاد جوبا و قد خير الاتحاد الافريقي فريق الملكية ان يلعب اما في كمبالا أو نيروبي أو الخرطوم فاختار الفريق الخرطوم. كان هذا الاختيار مدخل لمناقشة قضية الانفصال في المنظور الاجتماعي فالدول المنفصلة حديثا تظل حالة الشحن السلبي بينها مستمرة لعقود طويلة كاثيوبيا واريتريا و نموزج الهند و باكستان. الجانب التاريخي في الفيلم يتطرق لأهم الاحداث السياسية التي حدثت منذ استقلال السودان و حتي انفصال الجنوب ودور الانقلابات العسكرية في اجهاض التجارب الديمقراطية و السلم الاجتماعي و انتقال هذه العداء الي الدولة الوليدة. هذا و قد وجد الفيلم اشادة واسعة من المعنيين بالشأن السينمائي داخل و خارج البلاد و اعتبروه مقدمة لأعمال مماثلة تبشر بها الساحة الفنية في الأيام القادمة و كان من بينهم الأستاذ طلال عفيفي الذي قال أن الفيلم يحكي قصة بلدين عبر سرد تاريخي ذكي ساعد فيه أسلوب "التواتر القطعي" الذي استخدمه المونتير عبد الرحمن كتاب في بناء السيناريو و أن العمل الذي شد أنفاسه قادر على حشد مجموعة من الدلالات الانسانية والسياسية وربطها بالواقع اليومي عبر متابعة ذكية من الاستاذ مزمل نظام الدين مخرج الفلم، لفريق كرة قدم اسمه "ملكيه" و أن مبلغ سعادته أن يرى مخرجاً جديداً يعلن عن نفسه بهدوء وقوة، مما يعني ان المراكب سايره والوطن للجميع. الأستاذ مزمل نظام الدين من خريجي كلية الزراعة جامعة الخرطوم و أحد الكوادر الطلابية المهمة وقتها و قد تم فصله سياسيا من الجامعة لمدة عامين بتهمة التخريب و تم اعتقاله عدة مرات علي مر مسيرته النضالية و يعتبر من الكوادر الاعلامية المهمة التي مرت علي جامعة الخرطوم. لذلك لم يكن غريبا أن مزج بين خبراته السابقة و علاقاته الاجتماعية المتجزرة بالاخوة الجنوبيين و ايمانه العميق بوحدة السودان شعبا و أرضا و مصيرا و بين الوسائل الفنية المختلفة ليخرج لنا هذا العمل السينمائي مكتمل الأركان. [email protected]