جملة ظروف موضوعية مخلتفة جعلت قرار الغربة او الهجرة من السودان امرا لا مفر منه البتة، سواء كانت هذه الهجرة بدافع التحصيل العلمي او تحسين مستوي المعيشة او طلبا للامن في بلد يعتقد هذا المهاجر انه يعاني من الامان وحرية التعبير. هناك هجرات شخصية وجماعية لسودانيين حققت انجازا مرجوا مثل تقوية اللحمة واواصر المحبة والمحنة بين مكونات هذه التجمعات السودانية، وبعضها جرفته الانانية والشويفينية والاثنية الجهوية بعيدا. فقبل عشرين عاما او يزيد كان المواطن السوداني حلمه الاجمل وهو يخطو خطواته الاولي في دهاليز الغربة كان شوقه ان يري سوداني مرتديا (جلابية)، ان يري براءة السودنة والعاطفة ودف اللقيا، ان يعانق اخيه السوداني بحرارة كأنه يعرفه منذ فترة طويلة، كل ذلك كان في الماضي، الان ومع طبيعة الصراعات الجهوية والاثنية التي طالت البلد واحالته الي حفرة من الهم والغم، تغيرت الكثير من المفاهيم في بلاد الاغتراب، ووتبدلت القناعات، وتقزمت الجاليات وتقسمت الي كتل ومستنقعات مناطقية واثنية منغلقة. اول سؤال يواجهه المغترب او المهاجر السوداني الي بلاد الاغتراب عندما يلتقي بسوداني اخر هو (قبيلتك شنو) وهو سؤال قد تم ترحيله اساسا من السودان، ، فهذه العبارة (قبيلتك شنو؟ او انت من واولاد وين؟) ماركة مسجلة بسوداني الداخل، والاجابة عليها تحدد مدي نوعية العلاقة التي من المنتظر ان تكون بينك وبين السائل. قبل فترة توفي شاب سوداني ببريطانيا واطلقنا نداءات كنا قد ا ارسلناها الي بعض الشباب نحدد لهم فيها مكان وزمان الدفن، كان بعضهم يسال (والمرحوم جنسو شنو؟) وعندما علم ان المتوفي ليس من قبيلته او منطقته اعتذر عن المجيء باسباب اوهن من خيط العنكبوت، وعلي هكذا قس. للاسف الشديد واحدة من ابرز المشاكل التي تواجه الجاليات السودانية قاطبة بالمهجر هو افتقارها لروح العمل الجماعي الاجتماعي الوطني، بل هم اغلبها وليس كلها التقوقع وراء الاستقطاب السياسي، وبالتالي اصبحت حتي انتخابات الجالية تخضع لمعايير سياسية بحتة البعض (يري ان بعض الجاليات السودانية ما هي الا بوق للسفارات السودانية بالخارج فقط)، وليس لمعاير اجتماعية مفترض انها تقدم خدمات اجتماعية لمجمتع الجالية في هذا البلد او ذلك، الاسوأ من كل هذا هو وجود ثلاث جاليات متناحرة احيانا بمجالس مختلفة في مدينة واحدة لا يتعدي عدد السودانيين القاطنين فيها 200 سوداني!! كم سوداني توفي غريبا في الغربة وسط اهله من السودانيين دون ان يجد حتي فاتحة ترفع من اجله في قبره الا من ثلة قليلة؟ كم من سودانية تشردت هي واطفالها في زمهرير الغربة كونها انها من مناطق النزوح والصراعات الدامية في السودان دون ان تجد نصير من سوداني ووجدته من الخواجات؟ كم من سوداني فقد عقله واصبح يهيم علي وجهه ياكل من قاع براميل النفايات في حطام الغربة؟ مثل الرسام والشاعر السوداني بهنسي رحمه الله الذي توفي وسط القاهرة متحطبا من البرد؟ بعد ان تخلي عنه بني جلدته؟ وكم من سودانية انحرفت ومارست الدعارة وبفخر واعتزاز بعد ان حاصرتها الحوجة في بلاد الغربة؟ وكم وكم من الاسئلة المحزنة تنطرح بحزن واسي علي واقع مر تعيشه الكثير من مجمتعات الغربة السودانية بالمهاجر المخلتفة؟ لذلك المطلوب من رؤساء الجاليات السودانية والقائمين علي امر الجاليات السودانية بالخارج ان يكرسو مفهوم العمل الجماعي الاجتماعي والمحبة وتعزيز قيم السودان النبيلة وغرس شتلة التوداد بين الاسر السودانية المخلتفة حتي نرتقي بمجتمع سوداني مهاجر نظيف خالي من شوائب الجهوية والعنصرية، والمطلوب من السفارات السودانية بالخارج الحياد في امر الجاليات السودانية وليس المحاصصة ودعم وحشد فريق علي اخر كما يزعم الكثيرون من المنتقدين لدور السفارات السودانية بالخارج تجاه قضايا الجاليات. لكن علينا ان لا ننسي الاشراقات المضيئة لكثير من السودانيين الذين تم تكريمهم لامانات تهم وصدق مشاعرهم ونبل مواقفهم وحبهم المفرط للسودان كراعي الغنم السوداني بالمملكة السعودية وغيرهم. لذلك المطلوب من رؤساء الجاليات السودانية والقائمين علي امر الجاليات السودانية بالخارج ان يكرسو مفهوم العمل الجماعي الاجتماعي والمحبة وتعزيز قيم السودان النبيلة وغرس شتلة التوداد بين الاسر السودانية المخلتفة حتي نرتقي بمجتمع سوداني مهاجر نظيف خالي من شوائب الجهوية والعنصرية، والمطلوب من السفارات السودانية بالخارج الحياد في امر الجاليات السودانية وليس المحاصصة ودعم وحشد فريق علي اخر كما يزعم الكثيرون من المنتقدين لدور السفارات السودانية بالخارج تجاه قضايا الجاليات. [email protected]