سنار التاريخ العريق والماضي التليد .. سنار السلطنة الزرقاء .. سنار الفونج والرواق السناري .. مالي أراها قد إضمحلَّت وذبلت وأصبح مواطنوها ما بين مطرقة حكم جائر وسندان شظف العيش وتدهور الأحوال الإقتصادية وشبه توقف لعجلة الإنتاج والمشاريع الزراعية التي كانت تضخ الحياة في المنطقة وتنداح بُشرياتها لعموم البلد الطيب السودان. أصابني الشعور بالألم والحسرة خلال زياراتي الحديثة للمدينة وقد ظلّ يتراءى لعينيَّ الإنهيار الكامل في كل المناحي ، لكن الأعمق ألما هو إنسان سنار الأصيل ...فبدأت في رحلة تأمُّل لشخصيات كان لها حضورا ضافي في مختلف النشاطات ، الرياضية ، الثقافية ،الإجتماعية والفنية ، ولكن هالني وأنا أراهم يعانون الأمرَّين ويشكون لطوب الأرض ممَّا آل إليه الحال ، وضاقت عليهم الحياة وصعبت لقمة العيش وهم يُحاربون في أرزاقهم وتُسد كل المنافذ أمامهم ، فالبلد أصبحت مملوكة لجماعات بعينها .. وتتم عملية إحلال وإبدال ممنهجة وأصبح الأنسان وهو يتجول في المدينة وكأنه في مكان آخر غير ذاك الذي آلفه ورتع في حاراته وتمرَّغ في ترابه !! البلد أصابها تدهور لا تخطيئه العين ، صحة بيئة على مستوى الصفر وهي التي كانت من المدن الأنظف في البلاد وقد كان يتم التخلص من النفايات بصورة يومية بواسطة فكرة بسيطة وهي عربات تجرها حمير وذلك في منتصف الثمانينات وحتى نهايتها . الحديث يطول في مناحي الإنهيار ، ولكن دعونا ندلف للأدهى وأمر ، والذي لم أستطع استيعابه البتة! ألا وهو البدء في التغول على المدارس والأندية الإجتماعية والميادين ودور الترفيه؟؟ والتي شيدها رجالات سنار الأوفياء من الأجيال العظيمة ، نسأل الله لهم المغفرة والرحمة وبجهود ذاتية وأفكار عبقرية لأنهم يفهمون ولهم الدراية بمتطلبات تطور الحياة فكان أن شيدوا المدارس في مساحات واسعة لإستيعاب مراحل التطور المستقبلية من بناء فصول جديدة وداخليات وميادين لعب وترويح للطلاب ومسارح ثقافية وهلمَّ جرَّ ، ولكن لم يخطر ببالهم أن يأتي يوما من يطمع في هذه المساحات وتخصيصها أسواقا ومغالقا !! ودعونا نتأمل أن يأتي السوق وبكل تبعاته ليكون جزاء من مدارس بناتنا فلذات أكبادنا؟ مالكم كيف تحكمون يا هؤلاء ؟ فكل همهم البيع ، ولكن للأسف لم ينعكس ذلك إطلاقا على تحسين خدمات أو تطوير في مرفق من المرافق! ولسان حال المدينة يغني عن سؤالها ، ومشكلة المياه لم تبارح لها مكانا منذ سنينا عددا ، وحقيقة وصف حال المدينة يحتاج لمجلدات والغبن الذي يسيطر على إنسانها البسيط يكفي ليدمر جبالا عاتية ويثير عواصفا تنافس تسونامي وكاترينا . والآن دعونا نتساءل أليس من واجب الحكومات توفير الصحة والتعليم وأدوات الترفية الثقافية والرياضية ؟ فكيف يمكن أن نفهم أن حكومة سنار تقاتل لتنتزع الأندية الإجتماعية الثقافية .. واستقطاع مساحات من المدارس وتحجيمها ناهيك عن محاولة تطويرها أو توفير أبسط إحتياجاتها !! ثم قامت بانتزاع دار السينما بحجة انتهاء الحكر وأزالتها من الوجود لتبيعها أراض وأسواق ! وسنعود لهذا الأمر علّنا نجد حكمة تستوعبها عقولنا البسيطة لفهم أبعاد هذه السياسات وهل هي شيطان أكبر كما يُقال ؟ وهل هذه هي سياسات الدولة؟ ولكن إن كان ذلك هو الحال لماذا لم يُطبَّق ذلك في بقية المدن ؟ في الختام نترحم على إبن من سنار حاول أن يرسم لوحة أمل في حائط اليأس ويزرع شتلة عطاء في صحراء جرداء من تدهور المرافق وإنهيار الخدمات فكان أن نشطت الجهود الذاتية من المخلصين أبناء سنار الأوفياء في مجموعة الحوش الكبير التي أصبحت مثالا يحتذي على نطاق القطر الحبيب لإعادة تعمير المدارس وتكريم أهل التعليم ، وكان أخونا المرحوم حسام حسن حاج يوسف واحدا من المحاربين الأقوياء في هذه المشاريع . وقبله كان المخلص المرحوم محمد محمود الذي حاول ردم جسر صغير يعبر به أصحاب الحق من البسطاء من سكان هذه المدينة ، فكان كالغريق يتعلق بقشة علّها تنجيه ومن معه من اليمّ الهائج الذي يجرف كل ضعيف معدوم السند ويفتقر لطوق النجاة الذي يوزعونه على المحاسيب. اللهمّ أشملهم برحمتك وعطفك وأجعلهم في الفردوس الأعلى .. آمين ولنا عودة . [email protected]