لا أدري أهي حاسة شم الإستشراف بلغة التحليل التي يهيجها ما يملاْ الجو السياسي العام عندنا من روائح النهايات التي تشبه بعضها في كثير من الأحيان ، أم أنها قراءة لسطور واضحة المعالم لا تخطئها حتى عين الشارع العريض رغم لهوه الأعشى في مشاغل حياته الطاحنة التي دفعه اليها جماعات هذا النظام ليعبثوا كيفما شاءوا في هذا الوطن التعيس ! في إحدى إجازاتي ربما في أوائل عام 1985 أو نحو ذلك ، كنت مع أستاذي الراحل رحمي محمد سليمان عليه الرحمة في منزله ليلاً نستمع الى الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري رحمه الله وهو يتحدث الى الأمة من خلال ما سمي وقتها باللقاء الشهري . لم يترك الرجل تهكماً ولا استفزازا او تحدِ إلا صبه في مسامع وعلى رؤوس الناس عبر التلفزيون الرسمي الوحيد الذي كان مسيطراً على العقول قبل إنطلاق الفضائيات التي أصبحت الآن متنفساً لها عما يكيله فوق وجه الحقيقة إعلام النفاق من رماد القول و يطمس به العيون من سواد الصور ! ختم نميري كلامه وكأنه يقول أنا الأول في العدالة فلا عمر بن الخطاب كان قبلي خليفة ولن يأتي .. وأنا في الحزم والشدة حجاجٌ لن تلد بعدي ولادةٌ حجاجاً ! ثم إنطلق بعد اللقاء نشيدٌ كانت تردده مطربة ناشئة تقول مقدمته .. بفكرك ووعيك يا ريس يادوب سودانا بقى كويس ! ضحك الأستاذ رحمي ضحكته العجيبة الساخرة .. وقال لي كان المفروض أن يردد الكورس بعد المغنية عبارة جداً جداً جداً لتأكيد حكاية كويس هذه .. ثم أصلح من نظارته السميكة من على أرنبة أنفه و قال في جدية تامة .. هذه أعراض نهاية نميري فقد شرب مقلب الأخوان المسلمين وسيسقط من علو وهمه الذي إرتاده في رابعة النهار بأجنحة الشمع ! في إجازتي التالية عدت وكان الرجل قد سقط فعلاً قبل ذلك بفترة قصيرة بعيداً عن الوطن في أثناء تحليقه ببقايا ريشات أحلامه الواهنة تلك مؤملاً العودة من سفرته الأخيرة! ذاتهم الذين رفعوا النمير ي على أكتاف الغرض ليحتلوا مكانه ..هم الذين يحملون المشير عمر البشير من جديد على تلك الكتوف ليسقطوه في لجة الوهم حتى يتوغل في وحلها للآخر فإن هو عاد ملطخاً تحمّل تبعات القذارة لوحده، وإن غاص في القاع الى غير رجعة فغير ماسوفٍ عليه لآن الأمر عندهم سيان طالما لظنهم الواهم ، كانوا فقط يلعبون على ضفاف وجودهم حوله وهو المسئؤل الأول والآخير عما حاق بالوطن والأمة ، فيكملون في وجوده أو عدمه ذلك الغرض الذي يعشعش مرضاً عضالاً في مخيلتهم التي لا أمل في شفائها إلا بذهابهم مع مشيرهم الواجف من رمضاء الجنائية إحتماءاً بنارهم .. حتى لو أحرقت ما تبقى من يابس الوطن بعد أن أكلت أخضره ! ما أشبه ليلتهم الحالكة في زماننا هذا ببارحة أمسهم المارقة ..لكنهم لا يعلمون في سدرة غيهم الذي يعميهم عن رؤية الحفرة التي هم مقدمون على الوقوع فيها كمصير من يحفرها بنية السوء وإن كانت لفردِ عادي .. فما بالك حينما تكون لوطنِ بحاله وشعب طيب ِ صبور .. وبمعاول التبجح بإسم الدين .. رفعاً لخيال مآته .. أنسته السكرة سقوط ذلك الخليفة الزائف قبله .. وقد شهد في بقية حياته الذليلة ساقطاً تحت أحذية الزمن الخؤون لحكمة الهية ميلاد عمرفي غير عدالة بن الخطاب .. وظهور حجاج توهم هو الآخر أنه الخبر والمبتدأ الذي لن يمسه إعراب الزمان فيصبح فعل ماضي .. بل أثراً بعد عين .. ويا ليتهم يدركون العبر .. أما التأسي بها .. فهيهات لهم به طالما هم يحلقون على أجنحة نفاق الشمع قريباً من شمس النهار الآتية لا محالة .. وحينها لن يسمعوا صوت الإرتطام لأن السقطة ستكون خاتمة مطاف مسامعهم التي سدوها بأصابع الغرض الآثم و الظلم الوبيل عليهم تمهيداً لتلك اللحظة ! [email protected]