إن الطريق إلى التقدم والإنطلاق إلى العلا ليست له علامات تحدد السرعة، لكنه انطلاق لا حدود تحده أو تحول دون الوصول إلى غاياته غير ضعف الهمَّة وخور الإرادة ، فلا أحد ينكر أن السفن تكون آمنة وهي راسية في مرفاها ، لكنها لم تُصنع كي تظل راكدة على الشاطئ .. فيجب ألَّا تقبل أن تكون على الهامش تنتظر من يفسح لك الطريق وإلَّا سيطول الانتظار ولن تبرح مكانا؛ من هنا يأتي دور القيادة الرشيدة ذات الرؤية الاستشرافية للدعوة والانطلاق للابداع والتميُّز لتحقيق السعادة وهي غاية المُنى ومنتهى الأمل وهي مرحلة أعلى من الرضا ، فقد يرضى الفرد دون أن يسعد وإن كانت هذه مراحل بيننا وبينها سنوات ضوئية ، فنحن نقاتل ونحلم على أمل أن يتحقق أدنى مستويات الرضا لشعب صابر طيب ! واحدة من المشاكل الأساسية في نظري والتي ظللت أطرق على جرسها مرارا وتكرارا آملا أن يصل رنينه يوما لأولئك المسئولين ويبدأوا في وضع هذا الأمر نصب أعينهم ..ألا وهي إدراك قيمة المعرفة ، ومجتمع المعرفة والاستثمار في المعرفة وهذا شأن خطير يُنظر إليه باستخفاف ولا مبالاة وخصوصا من طرف أغلب صنَّاع القرار في بلادنا ، ويكفي أن ننظر لبعض البلدان التي تدعم بفاعلية هائلة أعمال البحث العلمي والتطور فيها والفوائد العلمية والسياسية التي تجنيها جرَّاء ذلك حتى يتبين لنا بأننا في أمسّ الحاجة لهذا الأمر وخصوصا تجاه التنمية والتطور المفقود . فخلال عام 2012 استثمرت الولاياتالمتحدة حوالي 870 مليار دولار في أنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي فضلا عن دعم مراكز البحوث فيها والتي تسهم في رسم خارطتها السياسية والخارجية الراهنة والمستقبليية والتي قد تمتد لمئة سنة مقبلة ... وقناعتي بأنه بدون ذلك لايمكن إحداث الفارق !! لذلك ندور في حلقة فشل مفرغة. وبالتأكيد لايمكن مقارعة هذه الدول المتقدمة ، أو مقارنة أحوالنا بها ، ولكن تأمُّل ذلك الواقع يُمَثِّل مؤشرا لتوضيح كيف يمكن صنع الفارق؟ وأنه يجب أن نبدأ بطريقة ما لنضع خطانا في الطريق الصحيح ، ولكن هيهات في وضعنا الراهن! ولو نظرنا لدولة لم يتجاوز عمرها بضع وأربعين عاما مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وما حققته في هذا الزمن الوجيز وكيف أنها أصبحت مثالا يُحتذى على مستوى العالم نرى أن الرؤية الواضحة والتخطيط السليم والرغبة في الإنجاز والتطور إلى ما لا نهاية هي كلمة السر ، وكيف أنهم يخططون لسنوات طوال قادمات ويستضيفون معارض اكسبو 2022 ، ولكنهم بدأوا العمل لذلك قبل أكثر من خمس سنوات . أما عندنا وللأسف فلا الحكومة تؤمن بهذ الأمر ولا لديها الصبر للتخطيط الحقيقي العلمي ومتابعتة اللصيقة ، ولا حتى المعارضة يبدوعندها الخطط الواضحة المبنيِّة على قيمة المعرفة. وقد رأيناها كيف جاءت بعد ستة عشر عاما من حكم مايو لتبدأ من حيث انتهت قبل عام 1969 بدون أي رؤية أو علاجات للتعامل مع المتغيرات التي ألقت بظلالها بعد تلكم الفترة الطويلة ، وبدأنا ندور في نفس الحلقة ونستمع لأصوات النشاز المنبعثة من تلك الاسطوانة المشروخة. نحن حقيقة في حاجة ماسة لدماء جديدة برؤى جديدة تُعبِّر عن الغالبية الصامتة التي تراقب ولا تشارك .. تتأمل وتتوجع ... تلسعها سيطان الفقر والإحباط .. وترهقها محاولات االسعي هنا وهناك لتوفير أبسط مقومات الحياة ... وهي تتمتع بكوادر مُحصَّنة بالمعرفة ومُشبَّعة بخبرات اكتسبتها من مخالطة أهل المعرفة في الخارج وتلاقحت هنالك الأفكار وفوق هذا وذاك مضمخة بحب التراب والإخلاص الحقيقي للوطن .. ولكن هل ياتُرى تُتَاح لها الفرصة في المستقبل القريب؟؟ أخشى أن يطول انتظارنا كثيرا .. وعندها تتعذر كثيرا فرص العودة من جديد ... والله المُستعان من قبل ومن بعد. من صحيفة التغيير - عمود خبز الفنادك - [email protected]