الصراع الدائر في بلادنا منذ أن نالت استقلالها يظل يدور حول محاور مهام ومضمون ما بعد الاستقلال، بترسيخ الوحدة وتوطين وتجذير الديمقراطية وتحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والمساواة، بمعنى أنه صراع سياسي اقتصادي اجتماعي، مثله مثل كل البلدان التي تعرضت للظاهرة الاستعمارية، إلا أن هذا الصراع جرت فيه محاولات متعددة لحرفه عن مساره وتغبيش الوعي بحقيقته والرؤية الوطنية الجامعة لتجاوزه، من قبل قوى التخلف والتفتيت والتبعية، سواءً كانت في موقع الحكم أو السعي نحوه عبر استخدام الدين أو الجهوية أو العرقية أو القبلية، ومع تصاعد حدة الأزمة الوطنية الشاملة، انبرى من يشكك في الهوية الوطنية لشعب السودان، وكأنها المسؤولة عن الأزمة أو أن التشكيك فيها يمثل عصى حلها السحرية. وفي مثل هذه الأحوال، لا بد أن نشير إلى أن الصراع كان وما يزال أفقياً حول ركائز التخلف والتبعية وهيمنتها، وليس عمودياً بين مكونات الوطنية السودانية الثقافية والحضارية والدينية، والبعث ما هو إلا امتداداً لكل الحلقات المشرقة في مسيرة نضال شعب السودان، وهو خير مفصح بفكره ونضاله ومواقفه عن الوطنية السودانية بمختلف مكوناتها، ومن يرى غير ذلك، إما أنه غير مطلع على فكر البعث، وهو لا يتحمل وزر ذلك وحده، وإما أنه ينطلق من مواقف مسبقة وأحكام قيمة، و كلا الحالتان لا يعبران عن موقف أصيل وناضج، إنما هما تعبير عن الأزمة، لا تجاوزاً لها، وبديل زائف رغم صخب الشعارات، وليس بديل موضوعي كنتيجة طبيعية للتطور السياسي الديمقراطي. إن الهوية النضالية لخلاص شعبنا، هي وحدة قواه من خلال العمل السلمي الديمقراطي الشعبي، في مواجهة قوى الدكتاتورية وركائز التخلف والتفتيت والتبعية، وما عدا ذلك دوران في الحلقة المفرغة. [email protected]