لم تجد دعوة رئيس الجمهورية عمر البشير في يناير من الماضي، التى أعلن عبرها انطلاق الحوار الوطني للقوى السياسية والمعارضة بالداخل والخارج من أجل لملمة الشأن السوداني ووضع قاطرة البلاد في مسارها الصحيح، أي صدىً طوال أكثر من (10) أشهر مضت وقد جرت تحت الجسور مياه كثيرة ، وترهن القوى السياسية المعارضة بالداخل النزول إلى مسألة الحوار الوطني بمسوغات محددة ترتكز على تأجيل الانتخابات وتكوين حكومة انتقالية تسهم في تهيئة المناخ السياسي ويتم إطلاق سراح المعتقلين ويجمد العمل بالقوانين التى تقيد حرية العمل السياسي وحرية التعبير وتجيز الاعتقال للأجهزة الأمنية على خلفيات سياسية ، إضافة إلى أن يظل الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني ) حزباً يعمل في أطر مشتركة للأحزاب كافة بعيداً عن السلطة. بينما ترتكز رؤية الحزب الحاكم على أن قيام الانتخابات يعتبر استحقاقاً دستورياً ولا يمكن التنازل عنه ، وقد أكد رئيس الحزب في مخاطبته مؤتمر الحزب مؤخراً بولاية الخرطوم على عدم التنازل مطلقاً عن قيام الانتخابات في موعدها. وقال الرئيس البشير- رئيس المؤتمر الوطني حينها- أن لا تأجيل للانتخابات وأنها استحقاق دستوري لا بد من إجرائه لصون البلاد من الفوضى . ويرى كثير من المراقبين أن توالى هذه الأزمة بين الحكومة والقوى السياسية بالداخل وما تبعها من حملات اعتقالات لعدد من رموز القوى السياسية بدءاً بالإمام الصادق المهدي- زعيم حزب الأمة القومي- في مايو الماضي وإبراهيم الشيخ - رئيس المؤتمر السوداني- دفع القوى السياسية بالداخل إلى محاولة إحراج الحكومة وفتح أبواب أخرى لإحداث الضغط الإقليمي والدولى عليها للنزول لرغبات المعارضة . ويعد( إعلان باريس) الذي أبرمه حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي في أغسطس الماضى مع تحالف "الجبهة الثورية" الذي يضم (الحركة الشعبية (قطاع الشمال ) وحركات دارفور المسلحة والجبهة الشعبية للتحرير والعدالة وأحزاب شرق السودان وحزب الأمة بقيادة نصرالدين الهادي المهدي ، والحزب الاتحادي الديمقراطي (مجموعة التوم هجو) ، والذي استنكرته الحكومة وقتها واحداً من هذه الأدوات ، ثم إعلان (نداء السودان ) الذي وقعته المعارضة بالداخل في أديس أبابا ، حيث وقع باسم تحالف قوى الإجماع فاروق أبوعيسى، و الجبهة الثورية نائب رئيسها منى أركومناوي وممثلو منظمات مجتمع المدني د.أمين مكي مدني . وقد اعتبرت الحكومة هذه الخطوة استهدافاً لأمن وسلامة البلاد. وأعلنت الاستنفار العام من أجل مواجهتها ، واعتقلت عدداً من قيادات المعارضة التى وصلت البلاد . واتهم الرئيس البشير، الأحد الماضي في حديث أمام ممثلى مزارعى الجزيرة والمناقل، قوى المعارضة التى أبرمت اتفاق (نداء السودان ) مع الحركة الشعبية بالارتزاق والعمالة ونصح قياداتها بعدم العودة للبلاد ، وأكد قدرة القوات المسلحة على حسم التفلتات الأمنية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور ، وقال إن هذا العام سيكون فيه نهاية التمرد . وأتت هذه الخطوة في وقت فشلت فيه محادثات السلام الجارية في أديس أبابا بين الحكومة وحركات دارفور (العدل والمساواة وتحرير السودان جناح مني أركو مناوي) ، كما فشلت جولة مباحثات الحكومة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ، مما أدى الى تأجيلها . وفي ظل هذا الواقع تجددت المعارك في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان بين الطرفين . وبحسب محللين سياسيين فأن استمرار هذا النهج بين القيادات السياسية في الحكومة والمعارضة سيفقد السودان فرص النمو والاستفادة من إمكانياته ، كما أن هذه التجارب الفاشله في الحوار تعمق غياب عامل الثقة بين القوى الحاملة للسلاح والحكومة ، وتعزز من قناعة أن خيار الحرب هو الأمثل في مواجهة كل للآخر ، ويحذرون بأن استمرار هذه الواقع يدفع ضريبته المواطن والوطن معاً. [email protected]