- حلقة -1- يعيش السودان هذه الأيام فرحتين لا تجتمعان إلا بعد دورة زمنية بسب فارق الزمن بين السنة الهجرية والميلادية حيث يحتفل شعب السودان رغم فوارقه الدينية بأعياد الميلاد ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم وتتجلى عظمة المناسبتين لتوافقهم مع الاحتفال بالذكرى 59 بالاستقلال احتفال لا يقف على فئة معينة من المجتمع فهو احتفال للسياسيين والرياضيين والفنانين ولعلنا بحاجة لان نستدعى التاريخ أمام ظاهرة عامة ربما انفرد بها السودان عبر مسيرته التاريخية في النضال ضد الاستعمار هذه الظاهرة على وجه التحديد إن النضال ضد الاستعمار قاده شرفاء مناضلون عظماء متجردون ضحوا بكل ما يملكون و كانوا في توأمة مع الرياضة فهم الذين تصدوا لإنشاء الأندية الرياضية والتي اتخذوا منها الغطاء للنضال ضد الاستعمار فكانت أندية رياضية ثقافية فنية (سياسية). رجال لا يسع المجال ذكرهم اذكر منهم الدكتور عبدالحليم محمد رئيس اللجنة الاولمبية واتحاد كرة القدم وعضو مجلس السيادة وعبدالرحيم شداد سكرتير اتحاد كرة القدم والزعيم السياسي بالحزب الوطني الاتحادي وحسن عبدالقادر الزعيم الاتحادي والنائب البرلماني بل ونائب رئيس البرلمان ورئيس وسكرتير نادي الهلال والاتحاد العام وحسن عوض الله ومبارك زروق ورفاقهم من وزراء أول حكومة وطنية والذين شهدتهم الملاعب والإدارة نجوما في أنديتها ومحمد كرار النور الرجل الشامل مما جميعه والدكتور عبدالحميد إبراهيم ومقبول الصديق (العمدة) وليت المجال يسع ذكر الجميع ناضلوا من اجل الوطن حتى تحرر والذين ارسوا قيم الرياضة التى انتكست بعدان تفرغوا الإدارة الدولة (الرحمة والغفران لمن رحل منهم وأطال الله عمر من لازالوا أحياء) ويا لها من صدفة أن يصدر في ذات الوقت كتاب توثيقي عن الرمز السياسي والرياضي حسن عبدالقادر مواطن شمبات وابن كردفان وبالطبع فان الكتاب ب يستحق أكثر من وقفة. ولأننا اليوم في إحتفائية الاستقلال فلقد استوقفتني مقولة في الكتاب لما تعنيه من عمق مأساة السودان في أن يحقق الاستقلال ولا يجنى شعبه ثماره حتى حق لنا أن نقول صدق الانجليز وفشل الحكم الوطني. هذه المقولة تؤكد شجاعة المناضل حسن ولكنها تؤكد فشل الحكم الوطني وحسب الرواية إن المناضل حسن واجه المستر اسين في الأبيض وقال له (متى تخرجون من بلدنا) ورد عليه الخواجة قائلا(ونحن كقوة السودان لنا رسالة لابد أن نؤديها على أكمل وجه التعليم وان تكون الخدمة المدنية ذروة التقدم ) ومن هنا يتأكد لنا فشل الاستقلال في أن يحقق حكم وطني لصالح الشعب و لا يكون خصما عليه فالحكم الوطني سلبه ما كان يتمتع به في عهد الانجليز من ارث . ستون عاما من الحكم الوطني شهدت انهيارا في التعليم والعلاج وكافة الخدمات الضرورية كما شهدت نهاية أفضل خدمة مدنية أمينة على مصلحة المواطن بعدالة تامة وحرصا على ماله وخدماته الضرورية حيث كفل لها القانون سلطة مستقلة عن السياسة حتى تساوى بين المواطنين دون تحيز سياسي وكانت أول ضربة قاضية وجهت للخدمة المدنية شهدها أول حكم وطني (ديمقراطي)عندما أجهض الحكم استقلالية وكيل الوزارة وأخضعه لسلطة الوزير المسئول سياسيا التي تمثل اكبر ضمان لتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين كما شكل اكبر ضمان للتحكم في المال العام باستقلالية إدارة الحسابات التي تتحكم في أي قرش من المال العام ولعل التاريخ يحكى كيف إن الأزهري رئيس مجلس السيادة لما أراد التبرع بعشرة جنيه أوقفه محاسب القصر لعدم وجود بند تبرعات واستجاب له برضاء تام حلقة 2-2 تعرضت في الحلقة السابقة لما دار من حوار بين الراحل المقيم المناضل والرمز الرياضي حسن عبد القادر مع المستر ارسين الانجليزي الذي أجاب عليه بقوله( نحن كقوة في السودان علينا دور لابد أن نكمله في التعليم وفى دور الخدمة المدنية) وبقناعة تامة قلت ( صدق الانجليز وفشل الحكم الوطني ) وهى الحقيقة التي لا ينكرها إلا مكابر. فلقد أرسى الانجليز أسساً لضمان حقوق المواطن في مساواة وعدالة أهمها التعليم والعلاج المجاني وصيانة المال العام وفى توفير الخدمات الضرورية والمساواة بين المواطنين ولهذا أسس الانجليز جهاز خدمة مدنية تنفيذي يتمتع باستقلالية القرار وفق القانون بعيدا عن التدخل السياسي( وإذا كان الحكم الوطني أنهى كل هذا وأكثر منه فما هي جدواه) وكما قلت كانت ضربة البداية لكتابة نهاية الخدمة المدنية قرار أول حكومة وطنية بتبعية وكيل الوزارة لسلطة الوزير السياسية لهذا أصبح منصب الوكيل وظيفة سياسية يأتي بها الحاكم إن كان حزبا ديمقراطيا أو عسكريا من خارج الوزارة .مما مهد للسياسيين أن يحكموا قبضتهم على مفاصل الدولة مما اخل بضمان حقوق المواطنين على قدم المساواة وهذا ما شهدته فترات الحكم التي تعاقبت في مراحله الخمسة الأولى ولكن أخر مراحل الحكم الوطني فترة الإنقاذ الحالية شهدت السطر الأخير في إعدام المؤسسات التي ورثناها عن الاستعمار عندما صفى نظام الإنقاذ كل مؤسسات الخدمة المدنية لتتحول أجهزة الدولة التنفيذية لمؤسسات خاصة بحزب المؤتمر الوطني الحاكم ومنسوبيه ومؤيديه سياسيا حتى تدافع نحوه أصحاب المصالح من مدعى المعارضة وبذلك حرم الأغلبية العظمى من الشعب الذين لا ينتمون إليه من ابسط حقوقهم التي كانت تضمنها لهم الخدمة المدنية المستقلة .وهو م حرص عليه الانجليز ليصبح عهدهم الأكثر عدالة وتحقيقا للمساواة بين المواطنين.لهذا لم يكن غريبا أن ينفرط العقد خاصة في جانب المال العام بعد أن صفى النظام كل المؤسسات التي كانت تخضع المال العام للقانون و للميزانيات تحت رقابة الأجهزة المختصة وأصبح المال العام بيد القابضين على مواقع السلطة وليس القانون وأصبح متاحا لهم أن يقدموا الهبات والتبرعات بمئات الملايين دون أي ضوابط غير المزاج الشخصي ولم يعد هناك فرق بين مالهم الخاص والمال العام بعد أن صودر نظام الميزانية الذي حال دون أن يتبرع الأزهري رحمة اله عليه رئيس الدولة بعشرة جنيهات والتي رفضها له المحاسب الذي يتمتع بسلطة قانونية بحكم انه تابع لإدارة الحسابات المسؤولة قانونيا عن صرف المال العام وفق الميزانية السنوية التي يخضع لها أي جنيه عام.كذلك أسس الانجليز إدارة مركزية خاصة بالمشتريات مسئولة عن توفير كل احتياجات الأجهزة الحكومية و لا تملك أي هيئة رسمية أن تشترى مباشرة من مال الدولة وفق مزاج مسئوليها ومصالحهم فهذا يتم وفق لوائح العطاءات وفى حدود الميزانية' كما أسس الانجليز وزارة الأشغال التي تملك وحدها تشييد مباني الدولة أو صيانتها وفق الميزانية بواسطة مهندسي الوزارة لا يملك أي مسئول في الدولة مهما كبر منصبه أن يشيد مبنى أو يصينه وفق هواه ومزاجه حتى فاضت بعض أجهزة الدولة بالأبراج ثم كانت إدارتي المخازن والمهمات والنقل الميكانيكي المسئول عن عدد العربات الحكومية المستحقة ومن يستحقها وعن وقودها تحت رقابة النقل الميكانيكي بينما تتولى المخازن والمهمات مسئولية تزويد كل اجهزة الدولة باحتياجاتها المكتبية وفق الميزانية والدرجة الوظيفية ومن الصناعة المحلية وليس من المحلات التجارية الخاصة من الأثاث الفاخر وهى التي تستورد الاحتياجات من الخارج لو اقتضت الضرورة ذلك ثم كان أهم من هذا كله انه يحظر نهائيا ما يسمى بالتجنيب فأي جنيه مال عام يدخل خزينة المالية ولا يصرف إلا وفق الميزانية السنوية كما إن نظام الخدمة المدنية يحكم مرتبات كل العاملين حسب الدرجة الوظيفية دون تمييز بعقود خاصة حيث تتساوى كل الدرجات دون تمييز ولكن كل هذا انهار بعد أن أصبح المال العام تحت سلطة الحزب السياسي الحاكم ومنسوبيه في السلطة ونتيجة هذا ما يعيشه شعب السودان من تفرقة بين منسوبي الحزب والحكومة والرافضين الانتساب إليه حيث يأخذ الأول ما لا يستحق وتحرم الغالبية العظمة مما تستحقه وهذه هي نهاية الحكم الوطني حتى أصبح التعليم المجاني يكلف الملايين والمرضى يتساقطون لعدم قدرتهم لتحمل تكلفة العلاج وان توفر له فالأدوية والأطعمة الفاسدة تتربص بهم وهذا على سبيل المثال لما بلغه الحال وغير هذا كثير مما لا يسع المجال ذكره (وارجع وأقول يا ناس 7-7 حوار شنو فضوها سيرة قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا كلكم شركاء في فشل الحكم الوطني إنقاذ ومعارضة وان كانت الإنقاذ- البطل- صاحب الدور الأكبر)