لم يكن هذا المكان وجهتي ولا الطريق طريقي و لكن كان علي أن أكمل سيري فقد أصل إلي مبتغاي بل لعلني أتذكر ماذا أتي بي إلي هنا وإلي اين كنت ذاهب ، طريق متسع طويل لا أري نهايته تتفرع منه حارات مظلمة تارة وتاره أقل إضاءة أختلطت الأصوات كما أختلطت الوجوه بفعل الزحام ضحك العاهرات وصخب السكاري أمتزج مع صوت الباعة وصوت البكاء كآبة الظلام ومرح الأضواء عبث الألوان بين ملابس فاخرة تسير بجوار البالية ويبينهم جلد العرايا ، تشابك الرائحة يزكم أنفي عطر الفاخرين ورائحة الفجور تختلط برائحة الكادحين وأنفاس المرضي صخب الطريق يشب صخب الحياة وصمت الحارات المظلمة يشبه صمت القبور وبين كل هؤلاء لا مجيب ولا مرشد يدلني علي الطريق وكانهم جميعاً مثلي يبحثوا أو بحثوا وأستقر بهم الحال إلي هذا المكان . يقطع الطريق هؤلاء العابرون يسيروا في خطا ثابته وكأنهم مجرد شعاع ضوء ينفذ وسط الأضواء لا يبالي بهم أحد ولا هم يبالوا بأحد كانوا فقط يسيرون بلا صوت وبلا عبث للألوان ولا رائحة تشبه رائحة أحد من المارة والواقفين في هذا المكان أقترب منهم فقد يدلني أحدهم لا يجيبوا بل لا يرنو إلي أياً منهم أتامل وجوههم الشمعية لا علامة لفرح أو أحزان بل حدقت عيونهم في شيء لا أراه أتبع خطاهم قليلاً لعلني أري ما يرون ، لا أري وأقف لا أتبعهم فقط أتأمل في وجوههم وفي وجوة رواد الطريق وتثنيني حيرتي الجديدة هل كنت في الأصل قادم مع هؤلاء العابرون أم أني من ر واد الطريق عن حيرتي الأولي وبحثي عن وجهتي ومبتغاي . غرفة للإيجار كان نصيب السيدة حياة من زوجها التاجر الراحل هو منزل فسيح وفتاه تقترب من العشرين وصبي في العاشرة من عمره أما نصيبها من الحياة فهو عمر تجاوز الثلاثين قليلاً ووجه يدب فيه الجمال وقوام معتدل جعلها زوجه لأبن عمها وهي لم تتجاوز السادسة عشر لشهور بسيطة سرعان ما أنتهي بالإنفصال بسلام ويبدو أن أبن العم أجاد تقديرها وتقدير نفسه معترفاً بأنه لن يلبي شغفها وحبها للحياة ثم سرعان ما كانت من نصيب المرحوم الذي مر عام علي وفاته وكما ذكرت لمن حولها الحي أبقي من الميت والرجل ترك مال ولكن لم يترك معاش ثابت يعينها علي تربية الأبناء لذا كان قرار إيجار غرفتي السطح ولأنها تحب الحياة فهي تجيد الإنتقاء فكانت الغرفتين من نصيب موظف شاب قادم من بعيد للعمل في المدينة رأت فيه انه الأحق بشغل الغرفتين الخاليتين ومن يدري فقد يستحق أن يشغل القلب الخالي لم تبالي بمن أعترضوا صراحة بسكن شاب أعزب منزل يحتوي علي أمرأتين يتنافسن في الجمال ولا أزعجها من همسوا فقد كانت تثق أن جميعهم يتمنوا أن يسكنوا الغرفتين تفضحهم عيونهم ورعشة أجسادهم إن ابتسمت في وجه أحدهم ولم يكدر صفوها إلا ما لاحظته من حمرة في وجه أبنتها كلما مر طيف الشاب وسعادة في عيونة كلما رأي أبنتها ، كان عليها إما أن تطرد الشاب وتكسر قلبها الذي شغله أو تستلم لأمومتها ووتركه لأبنتها ولكن بحكمة وعقل كل محبي الحياة رأت أن ابنتها الجميلة الصغيرة لا تستحق شاب فقير مثله فليكن لها هي مقابل فقره ولتكن أبنتها لأحد الأعيان مقابل شبابها وقد كان تزوجت الفتاة وأنكسر قلب الشاب وكانت جابرته وسرعان ما ذهبت همسات وتلميحات المعترضين فالناس بقدر ضجيجهم يأتي يوم ويصمتون وبقدر شغفهم يأتي خبر جديد يثير شغفهم و مر عقدين من الزمان لم ينالا كثيراً من جمالها واعتدال قوامها بل نالا من زوجها ليحصد لقب مرحوم منذ ستة شهور كانت كفيلة أن تعلن أن في منزلها غرفتين للإيجار . [email protected]