ربما في غضون شهور معدودة تتغيّر الأوضاع في الشرق الأوسط أو تنقلب كلياً بتبديل اللاعبين الأساسيين، وفيما يبدو أن السعودية قد تضطر لفقد بعض نفوذها في المنطقة نظرا لاختلاط الأوراق بين سورياوالعراق واليمن من جهة وبين مصر وتركيا وقطر من جهة أخرى، فالسعودية تخوض معركتين متوازيتين، كبح المد الشيعي من جهة وكبح الإخوان من جهة أخرى. عقب اجتماع مهم وناجح فيما يبدو، سارع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى طمأنة زعماء الخليج اتفاقهم مع إيران بشأن ملفها النووي، وكأنما أراد أن يقول لهم "لن ننساكم" كما قال رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في خطابه الشهير الذي وجهه إلى حلفائه في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، عقب انفصال جنوب السودان. هذه السرعة التي بادر بها كيري مقروءة بتصريحات واضحة من الخارجية الإيرانية التي لمّحت إلى إمكانية القبول بمقترح أميركي بتجميد جزئي لنشاط إيران النووي لعشر سنوات، وهو ما يُشير إلى صفقة وشيكة بين إيران وأميركا، وقطعا إيران لن تقبل بتجميد نشاطها النووي ولو جزئيا قربانا لرفع العقوبات مثلا وهي الدولة ذات الاقتصاد الأقوى في المنطقة، إيران تنظر إلى اليمن وفعليا بدأت تضع يدها هناك كما تنظر إلى العراق ولبنان وسوريا وربما تنظر تدريجيا إلى أبعد من ذلك. خطاب الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الهستيري" أمام الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، والذي بدأ فيه مرعوبا من التقارب الإيراني الأميركي، كان بمثابة قراءة كلية لما سيكون عليه الوضع حال تمت أي صفقة بين واشنطن وطهران، الخطاب الذي جاء بدعوة من الكونغرس لم يكن موافقا عليه البيت الأبيض، وهنا إشارة لانقسام أميركي بشأن إيران، لكن صبيحة خطاب نتنياهو أمام الكونغرس مضت الإدارة الأميركية في تفاهماتها مع إيران وتوصلت إلى خطوط اتفاق واضحة وجليّة. أميركا تحتاج إيران في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنها تحتاج إلى كبح المد المتشدد في المنطقة، إيران تطرح نفسها ترياقا لذلك، وستلعب على الأساس شيعي وسُني خاصة أن التنظيمات التي تحاربها أميركا جميعها سُنيّة. تدخل إيران أو السماح لها بذلك في معادلة الصراع في الشرق الأوسط سوف يقود إلى أن تتزن الأوضاع نسبيا. كما أن المملكة لم تعد قادرة على قيادة كل هذه المعارك في آن واحد، والمعركة التي تقودها المملكة ضد الإخوان ربما تكون ليست ضمن أهداف الولاياتالمتحدة في المنطقة، أما سوريا فلم تعد أميركا متمسكة بذهاب الأسد كما هي غير متمسكة بدعم المعارضة التي تتبنى دعمها السعودية، وإن بقي الأسد وهو كذلك فهذا بالضرورة يعني أن إيران تأهلت للدور الريادي في المنطقة. التيار