المتابع للأحداث والتطورات المحزنة التي حصلت داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في الأسابيع الفائتة لا شك انه يلحظ أن شيئا عظيما يحدث داخل حزب الحركة الوطنية وقد استنكر كثير من السياسيين ممن ينتمون للحزب أو لغيره من الأحزاب الأخرى تلك الأحداث ولكن السؤال القائم ما الذي أوصل الحزب لهذا النفق المظلم؟ وكيف الخروج من هذه العثرة التاريخية؟ وهل من سبيل ؟ وبالنفاذ إلى لب المشكلة في الحزب نجد إنها قديمة ومتجزرة وبلواها إن هذا الحزب العتيق ومنذ زمن طويل يسير بلا هدى وبلا تنظيم وقد افتقدت الديمقراطية داخله وانعدمت المؤسسية وما نراه الآن من تخبط هو نتاج لحصاد سنين من الترهل التنظيمي والفكري والذي هو بالدرجة الأولى مسئولية النخبة من قادة وكوادر الحزب الذين ارتضى بعضهم أن يكونوا وسيلة لتنفيذ سياسات فردية أضرت بالحزب وأقعدته عن لعب دوره الوطني المناط به وأول من اكتوى بنار ذلك التصرف تلك القيادات التي أصبحت ضحية الآن ضعف التنظيم وتحكم بعض الأفراد في اتخاذ قرارات مصيرية مثل قرار مشاركة النظام أوزار حكمه دون اتفاق يصب في صالح الوطن وحل قضيته أشعل نار الخلاف بين قيادات الحزب مابين مؤيد ومعارض خاصة وان الفئة التي استأثرت بالقرار قليلة ومخالفة لدستور الحزب وتوجه جماهيره العريضة . وكما ذكرنا آنفا إن الذي حدث ما كان له أن يحدث لولا ذلك الضعف البائن في البناء الحزبي فكيف لحزب جماهيري لم يعقد مؤتمره العام منذ أكثر من خمسين عاما أن يتخذ قرارا يرضي قاعدته العريضة المبعدة والمهمشة طوال تلك السنين بالرغم من أنها قاعدة تضم الطبقة الوسطى من المتعلمين والتجار والمزارعين والعمال والرعاة وهي طبقة مؤثرة تشمل السواد الأعظم من أهل السودان علاوة على ان الحزب يحمل فكرا وسطيا بعيدا عن العقائدية والتشدد ، فكل تلك السمات كان يجب أن تكون عامل قوة لا العكس. انفجار الأوضاع بعد قرار القيادة الجديدة المفوضة من رئيس الحزب بالمشاركة في الانتخابات واعتراض القيادات الفاعلة عليه كان نتاج لانتكاسة حتمية تنبأ بها كثير من المراقبين وانحدار طبيعي في اتجاه مجريات الأمور المتوقعة ، ولكن هل حصل هذا مصادفة أم انه كان مخططا له وبدقة متناهية ومنذ سنين عددا من قبل أعداء الحزب والديمقراطية والذين لهم مصلحة في إنهائه لعلمهم بإمكانية دوره الريادي في مجابهة الديكتاتوريات وزعزعة عرش الطغيان. انه من المؤسف حقا أن نهرب من مسئولياتنا ودورنا كقادة ونسكت على كل هذا ونلقي باللائمة على الآخرين فالآن يجب الاعتراف بالخطأ فالبعض منا غلب الطموح الشخصي والانا على المصلحة العليا للوطن والحزب خوفا وطمعا وهذا داء متمكن في كثير من النخب والقادة في حزبنا والأحزاب الأخرى. اكتمل المخطط الذي بدأ من الموالين داخل الحزب فقرر الحزب المشاركة دون أي إتفاق أو ضمانات تصب في صالح حل القضية الوطنية وذلك لإبعاد الحزب عن دوره الوطني وفصله عن قاعدته العريضة فنجحت المرحلة الأولى من المخطط وكانت النتيجة المبتغاة من ذلك أن يذهب قادة الحزب الأكثر ثورية ومناهضة للنظام بعيدا عنه ويتشرذموا في حركات مبعثرة وتيارات صفوية ويصمت البعض فيخفت صوتهم وينتهي دورهم بمرور الوقت، أما المرحلة الثانية والتي نعيشها الآن وهي مرحلة دق إسفين بين مرجعية الحزب الدينية وقاعدته من الختمية من جهة وبين الختمية والآخرين من جهة أخرى وهذه معادلة معقدة لا يستطيع أن يستوعبها إلا من نشأ وترعرع داخل هذا الحزب فالذين خططوا ودبروا ونفذوا يعلمون أن جل جماهير وكوادر الحزب من ختمية واتحاديين لا تؤيد هذا النظام بل تقف ضده وتعمل على إسقاطه لذلك فالمخطط غاياته هي فصل المرجعية الدينية عن قاعدة الحزب والانفراد بها لتمرير الأجندة المطلوبة وبالعدم إحداث شرخ في القاعدة ما بين الختمية والآخرين وذلك بتأجيج الصراع وحمل بعض القيادات والكوادر لتوجيه الانتقاد اللاذع للمرجعية الدينية في الحزب والطريقة فينتصر الختمية لمشايخهم بغض النظر عن اختلافهم او تأيدهم لقراراتهم فيحدث الخلل المنشود. إنه مخطط كبير هادم وصادم إن افلح ، إذن ما هو السبيل لإفشال هذا التخطيط الشرير والالتفاف عليه وتجاوز آثاره السالبة خاصة وأنه في أواخر مراحل إكتماله ، ولكن نقول وبالنظر إلى ما آلت إليه الأمور وتكشفت عنه أحداث الأيام السابقة واتضاح الخسارة الفادحة التي سيجنيها الحزب من هذا الصراع المصنوع فانه يجب تغليب جانب الحكمة والعقل والصواب بأن يتخذ مولانا السيد محمد عثمان أو من فوضه قرارا تاريخيا بإرجاع الأحوال إلى نصابها والاستجابة الفورية للمطالب النابعة من نبض جماهير الحزب على اختلاف مشاربها وهي كالآتي :- أولا : التجميد الفوري للقرار القاضي بمشاركة النظام حكمه وأوزاره والخروج من دائرة سيطرته وإملآته والإنسحاب من الانتخابات المزمعة لأنها تعد تزييف لإرادة الشعب الذي أجمع على مقاطعتها ورفض أن يكون معبرا من خلالها لإعطاء شرعية يبحث عنها النظام منذ انقلابه قبل ستة وعشرين عاما. ثانياً : إلغاء كل القرارات التعسفية الكيدية والتي اتخذت مؤخرا بفصل قيادات لها وزنها ودورها في ماضي وحاضر ومستقبل الحزب. ثالثاً : الإستماع لصوت شباب الحزب والذي يحمل أفكار متقدمة واثبة ورؤى فكرية مواكبة لروح العصر تمشيا مع سنن التجديد والتطور ولعمري هذا هو الأهم وهو مفتاح الحل بأن تعطى الفرصة كاملة لقيادات الشباب والذين يقودون نشاطا واضحا في هذا المنعطف الهام. رابعاً : الاعتراف بأن الجمع بين المرجعية الدينية في الحزب وبين القيادة السياسية أضر كثيرا بالحزب وبالطريقة وأقعدهما عن لعب دور فاعل في المجتمع والساحة السياسية لذا يجب الفصل بينهما. خامساً : التحضير الجاد والعاجل لقيام المؤتمر العام للحزب في أسرع فرصة ممكنة وبصورة ديمقراطية سليمة تكون قواعد وجماهير الحزب هي صاحبة القرار فيه وتحديد شكله وهيئته دون استقطاب أو وصاية بغير ما تحكمه أعراف التنافس الشريف المطلوب. سادساً : العمل على توحيد كل الفصائل والأحزاب الاتحادية تحت لواء الحزب في ثوب جديد يلائم روح العصر ويستهدي بتاريخه وفكره العتيد. قد يقول قائل أن هذا مستحيلا بعد فرط العقد وتناثر حباته وأن هذه المطالب هي في مصاف الأماني الطوباوية التي لا يمكن تطبيقها بالنظر إلى الواقع المعاش الآن وتسارع الإحداث والتربص الذي يحيط بنا، فإجابتي أن هذا ليس مستحيلا ولكنه صعب ومكلف والأصعب منه تجاوزه وعدم الاستجابة له، ولكنه حتمي فإن لم يحدث بإرادة ورضي من يتصورون أن بيدهم أمر الحزب فإنه سيحدث بأمر الجماهير المغلوبة الصابرة والشباب المتوثب الطامح والقيادات التي ظلمت واستبعدت فالوعي والإدراك بما يحاك ضد حزب الحركة الوطنية قمين بإفشال المخطط الساعي إلى إجبار أولي العزم من قادته بالخروج منه وتكوين حركات وتيارات مناوئة تضعف وتضمحل بمرور الوقت. فمابين شريعة إقامة الجدار الذي يكاد أن ينقض وحقيقة خرق السفينة التي هي لمساكين تكمن حكمة المرجع المرتجاة والمؤملة بأن سنعيدها سيرتها الأولي وإلا فعلى الحزب السلام. [email protected]