كتب الأستاذ أبو بكر القاضي مقالاً نشرته سودانايل بعنوان: "وضع النقاط فوق الحروف ... بشان مستقبل السودان المكشوف" قال فيه قولين أراهما يناقضان بعضهما البعض، وأهم من ذلك يناقضان واقع الحال الذي أصبح بائناً بياناً ما كنت أتوقع لمن يتصدى لمهمة الكتابة أن يتجاوزه، كما سأحاول أن أوضح أدناه. والذي أحب أن أِؤكده بداية هو أننا لا يجب أن نختلف حول البدائه، ومنها حقيقة أن نظام الانقاذ هو الأسوأ والأبشع والأضر في تاريخ السودان، ولكن الخلاف هو كيف يجب أن نتعامل معه بما يقلل ضرره على السودانيين شعباً ودولة؟ فالأستاذ أبو بكر القاضي يقول: اذا اردت ان تعرف مستقبل السياسة السودانية ، فابحث عن مطلوبات المجتمع الدولى فى الاقليم الذى يحيط بالسودان . باختصار المجتمع الدولى معنى الان بمحاربة داعش ، و لديه وصفة واحدة لدول المنطقة الفاشلة كلها ( اليمن ، ليبيا ، سوريا ، السودان ) ، وهى الحوار الوطنى الشامل ، للحفاظ على الدولة السودانية ، وحمايتها من التفكك ، وتحييدها لمنعها من دعم الاسلاميين بكل فئاتهم ، المعتدلين والوسطيين والجهاديين والداعشيين ، ثم استخدام الجيش السودانى ( بعد دمج ثوار الهامش بعد وقف اطلاق النار الشامل حسب نتائج حوار المسارين ) ، فى محاربة داعش فى ليبيا وتونس ، وعلى شريط منطقة الساحل والصحراء بما فى ذلك حركة بوكو حرام التى بايعت دولة الخلافة الاسلامية.. وقال كذلك في موضع آخر بالمقال: لقد كشف حكيم الجبهة العريضة الداعى ( لاسقاط النظام ) ، العصى على التفاوض /الاستاذ على محمود حسنين ، كشف المستور من اوراق الخارجية الالمانية ، باختصار فانما يريده المجتمع الدولى من الطرفين ( الحكومة والمعارضة بجناحيها ) ، هو الحوار الوطنى الشامل ، الذى يجعل البشير جزءا من الحل . والمحصلة النهائية واحدة ، هى ( بقاء البشير لمدة خمس سنوات) ، سواء بفترة انتقالية متوافق عليها ، او بانتخابات مزورة فاقدة الشرعية... وهذا القول كله عندي من الحقيقة البائنة التي يجدر بكل محلل يحترم عقله وعقول قرائه أن يقر بها، ولكن الخلاصة التي سبق بها الأستاذ أبو بكر القاضي ثم خلص إليها في نهاية مقالة مفادها بعكس ما أقر به، وذلك حين يقول في نفس المقال: اللوح المحفوظ لاوضاع السودان الحالية والمستقبلية مكشوف للاعمى والمفتح، فقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك ان نظام الخرطوم تسخره، وتسيره القوى الدولية، كيفما تشاء، مقابل ان يبقى عمر البشير حاكما، والا،( فالتلويح بما يخيف النظام)، فان النظام الدولى يخيف الحكومة بدعم المعارضة المسلحة مباشرة او بالتسخير بما يهدد بقاء النظام.. ثم هو يعترف في موضع آخر من المقال بضعف المعرضة وعجزها عن إسقاط النظام بقوله: كذلك المعارضة بجناحيها فى ازمة ، فقد عجزت عن اسقاط النظام، كما ان نتائج ثورات الربيع العربي الاسلامى الكارثية فى ليبيا واليمن وسوريا قد جعلت الحوار الوطنى الشامل افضل الحلول ، للوطنى الحريص على التغيير دون تهديد كيان الدولة . والسؤال الذي يجب أن يقفز إلى ذهن كل متابع حصيف هو: إذا أصبح المجتمع الدولي، كما يقر الكاتب، يحرص كل هذا الحرص على بقاء الدولة السودانية متماسكة وقوية، ولا يرغب في تكرار تجارب ثورات الربيع العربي التي أفرزت كل هذه الفوضى التي تزيد من خطر الجماعات المتطرفة مثل داعش وشبيهاتها، أليست الخلاصة الطبيعية لكل هذا هو أن يسعى المجتمع الدولي للضغط على المعارضة الضعيفة للوصول إلى توافق مع النظام القائم، ويزجرها ويردها ويسعى لتقييدها حتى لا ذنجح في مساعيها لتهديد أو تفكيك النظام القائم سواء بالقوة العسكرية أو بالإنتفاضات الشعبية؟ وهل حقيقة أن النظام الدولي، وفي هذا الظرف الذي يحتاج فيه لنظام الانقاذ أكثر من أي وقت مضى: "يخيف الحكومة بدعم المعارضة المسلحة مباشرة او بالتسخير بما يهدد بقاء النظام" كما كتب الأستاذ أبو بكر القاضي، أم أن هذا هو تجافي الواقع ودفن الرؤوس في الرمال؟ لقد رفض المجتمع الدولي، بقيادة الولاياتالمتحدة، ابتداءً دعم المعارضة المسلحة للنظام رفضاً قاطعاً منذ أول مساعي الجبهة الثورية في هذا الطريق، حتى قبل أن تظهر داعش على المسرح وتظهر حاجة المجتمع الدولي لنظام الانقاذ لكبح جماحها، فهل يتوقع عاقل اليوم أن تكون الأمور قد سارت لصالح كفة المعارضة بما يجعلها تتمسك بعنادها وإصرارها على حرب وتفكيك النظام وقد سارت كل الظروف والتطورات لصالحه على هذا النحو الذي جعل حاجة المجتمع الدولي لخدماته في الحرب ضد داعش تماثل حاجته للمجتمع الدولي إن لم تكن تزيد عليها؟ ألا يجعل هذا الوضع نظام الانقاذ في وضع أقوي يمكنه من تجاهل المعارضة الضعيفة وغير المؤثرة، والمضغوطة من المجتمع الدولي لقبول أقل تنازل يشبه التحول الديمقراطي من قبل النظام؟ وهل هذه الخلاصة تغيب عن بال النظام أو المعارضة؟ إن حقيقة الواقع اليوم ليست هي ما خلص إليه مقال الأستاذ أبو بكر القاضي، ولكننا نجدها مسطرة ببراعة في مقال الدكتور الواثق كمير الأخير بعنوان: " قوى التغيير: وضع كل البيض في سلة البيان "456" والذي قال فيه، وأستميح الدكتور الواثق والقاريء الكريم في النقل المطول لأهمية المقتطف أدناه: نوَّهتُ في صدر مقالٍ سابق، وجَّهتُهُ إلى قُوى التغيير، أنه في وقتٍ تتسارعُ فيه الخُطى المحليَّة، والإقليميَّة، والدوليَّة، لمعالجة التركة المُثقلة لبلادنا، غَدَا الحِوَار بين المُكوِّنات السُّودانيَّة أمراً لافتاً للنظر، وجالباً للاهتمام. وكَمَا ظللتُ أشدِّدُ في كُلِّ كتاباتي السابقة، فإنَّ الحِوَار، بكُلِّ مدلولاته المَعرِفِيَّة، والمُجتمعيَّة، هُو سبيلُنا الوحيد لتجنُّب تمزُّق البلاد، وأقصر الطُرُق نحو السلام، والاستقرار، وبناء دولة المُواطنة السُّودانيَّة... وقال كذلك: خلاصة الأمر، إن بيان مجلس السِّلم والأمن الأفريقي 456، لا يعني، بأي شكلٍ من الأشكال، أنَّ المجلس يدعم تصوُّر المعارضة، المُسلَّحة والمدنيَّة، للتغيير والانتقال كامل الدَّسم تحت قيادة "شخصيَّة وطنيَّة توافُقيَّة"، واستبعاد الرئيس البشير. وفي هذا الخُصوص، فقد جَرَت أحداثٌ عديدة في الآونة الأخيرة والتي، إلى حدٍ كبير، تصُبَّ في صالح النظام، وان اتخذ بعضها شكل رسائل غير مباشرة، مُوجَّهة من المجتمع الدولي للمعارضة المسلَّحة والمدنيَّة: في اتساقٍ مع مواقفهم السابقة التي وجَّهوا فيها انتقاداتٍ لاذعةٍ للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، وعزمهم على الوقوف ضدَّ أي محاولة لإزالة رئيسٍ منتخب مِن على سُدَّة الحُكم، اعتَمَدَ القادة الأفارقة قراراً يدعو لإلغاء إحالة مجلس الأمن الدولي لقضيَّة دارفور إلى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، وعبَّروا بشدة عن دعمهم لإنشاء المحكمة الأفريقيَّة لحُقوق الإنسان والشعب. استقبلت الخرطوم رئيس جنوب أفريقيا، بوزنها السياسي في القارَّة، في 31 يناير 2015، في زيارة وديَّة تستغرق يومين، للمرَّة الأولى منذ توليه منصبه. يبدو أن جاكوب زُوما قد تراجع عن موقفه السابق، بعد انتخابه رئيساً في عام 2009، عندما صرَّح علي الهواء بأن البشير غير مُرحَّب به في جنوب أفريقيا، وحذَّر من أنه سيتعرَّض للاعتقال امتثالاً لأمر القبض الصَّادر ضدَّه من المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة. ومِمَّا لا شكَّ فيه، أن رئيس جنوب أفريقيا يُدرك جيداً تعقيدات المشهد السياسي الرَّاهن في السُّودان، من خلال الرئيس السَّابق ثابو امبيكي، الوسيط وراعي الحوار. أكَّدت اتفاقيَّة المبادئ، التي تسعى مجموعة ال"إيغاد" لفرضها على الأطراف المتصارعة في جنوب السُّودان، على أن يظلَّ سَلفا كِير رئيساً لحكومة الوحدة الوطنيَّة الانتقاليَّة، باعتباره "مبدأ لا يجوز انتهاكه" non violating principle.. وبالتالي، لن يجد مطلب المُعارضة، لرئيسٍ توافُقِيْ تؤولُ إليه إدارة المرحلة الانتقاليَّة في السُّودان، وبالتالي، أذُناً صاغية من القادة الأفارقة. ولنتأمَّل في مَن هُو رئيس الدورة الحاليَّة للاتحاد الأفريقي! قبل كل شيء: دَعَت واشنطن وزير الخارجيَّة، علي كرتي، ومساعد رئيس الجمهوريَّة، د. إبراهيم غندور، من أجل "إطلاعِهِمَا رسمياً، وبشكلٍ مباشر" موقف الإدارة الأمريكيَّة حول عددٍ من القضايا الهامَّة المُتعلقة بالعلاقات الثُنائِيَّة بين البلدين. وقالت المُتحدِّث باسم وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، ماري هارف للصَّحفِيِّين: "هذه الزيارة، وكذلك المناقشات مع وزير الخارجيَّة، كرتي، هي استمرارٌ للحوار، الذي استمرَّ لفترةٍ طويلة، حول عددٍ من القضايا بين حكومة الولاياتالمتحدة وحكومة السُّودان. وهو جزءٌ من عمليَّة التواصُل بيننا، حيث أننا نثير كُلِّ القضايا المُقلِقَة". ليس ذلك فحَسْبْ، بل أعلنت وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، مكتب وزارة الخزانة لمراقبة الأصول الأجنبيَّة (OFAC)، في 17 فبراير الماضي، رُفِعَت بموجبه العُقوبات المفروضة على التكنولوجيا الرقميَّة إلى السُّودان، وبذلك سَمَحَت بتصدير وإعادة تصدير الأجهزة الشخصيَّة للاتصالات والبرمجيَّات، وكذلك الخدمات ذات الصلة، بما في ذلك الهواتف الذكيَّة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. إضافة إلى لذلك، كانت زيارة نائب مساعد وزير خارجيَّة الولاياتالمتحدة، مكتب الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان والعمل للسُّودان في الأسبوع الثالث من فبراير. إن سقوط نظام الإنقاذ، بحُكم ما يترتَّب عليه من تداعياتٍ أمنيَّة، لا يصُب في المصلحة الوطنيَّة للولايات المتحدة، كما أنَّ القوى الإقليميَّة والغربيَّة لا تدعم هدف الإسقاط. فالولاياتالمتحدة، والعديد من اللاعبين الدوليِّين الفاعلين، يبدون أكثر اهتماماً بالاستقرار والأمن الإقليميَّين على حساب الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان في السُّودان. وهكذا، فإن مصدر القلق الرئيس للولايات المتحدة الآن، هُو التطرُّف الإسلامي من "بوكو حرام" إلى تنظيم الدولة الإسلاميَّة "داعش" و"الشباب" الصومالي، وخِشيَتِهِم من أن يتعرَّض السُّودان للانهيار، مِمَّا يخلق فراغاً كبيراً يمتد من غرب إلى شرق أفريقيا، ولن يملأ هذا الفراغ إلا المتطرِّفين والإرهابيِّين. هذا، وبالطبع، بالإضافة إلى قلقهم المُتزايد من الأوضاع المُتدهوِرة في جنوب السُّودان، وعدم قُدرتِهِم على فعل أي شيء لإنقاذ البلاد من الانزلاق في الهاوية. تتضح هذه الرؤية في اقتباسٍ مُطوَّل من مقالٍ للمُحلِّل السياسي، أليكس دي وال، في مجلة World Politics،2 مارس 2015) بأن: "أولويَّة واشنطن في منطقة شمال وشرق أفريقيا هي الاستقرار، ويبدو أن وزارة الخارجيَّة مفتونة بمهارات السُّودان المُؤكَّدة في صمود الدولة وقُدرتها على البقاء في خِضَمِّ الاضطراب والتطرُّف الذي تشهده المنطقة، في حين تُبدِي وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع إعجابها ببراعة أجهزة الاستخبارات السودانيَّة في إدارة المجموعات "المتطرِّفة"، والتي استحال ترويضها في أماكن أخري. فقد كانت هناك مقاومة مألوفة في واشنطن لأي تقارُبٍ مُحتَمَل مع السُّودان، وذلك بالتركيز على الأدلَّة الأخيرة عن انتهاكات حُقوق الإنسان في دارفور. لكن تظلَّ رسالة الخرطوم، بأنها قوَّة يُعتَدُّ بها من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط، تجد بشكلٍ واضح آذاناً صاغية. فمثلما أوقفت المُدَّعِيَة العامَّة للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة أي إجراءاتٍ إضافيَّة بشأن ملف دارفور، فإن الولاياتالمتحدة تضع على الرفِّ بهدوء أي خُططٍ تهدف لمزيدٍ من عزل السُّودان". هذا أيضاً ما أكَّده الناشط الأمريكي، إريك ريفز، في شهادته المكتوبة إلى لجنة حقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي، في 4 مارس الجاري، حول الأوضاع الحاليَّة في السُّودان، بقوله: "إن إدارة أوباما تسعي بإتباعها لسياسة "فك دارفور" عن بقيَّة الأجندة، أن تُطلِقَ يد النظام ليفعل ما يشاء في الإقليم، طالما ذلك لا يؤثر علي القضيَّة الإستراتيجيَّة الهامَّة الوحيدة: القلق من الإرهاب واستخبارات مكافحة الإرهاب، من جانب الولاياتالمتحدة، ورغبة الخرطوم في إعادة التأهيل والقبول في المجتمع الدولي، ورفع العقوبات الاقتصاديَّة". مع وضع هذه المخاوف في الاعتبار، تسعى الإدارة الأمريكيَّة لتغيير النظام بطريقة من شأنها أن تخلق قدراً من التحوُّل الديمقراطي، مع توسيع هامش الحريَّات العامَّة، وخاصَّة حرية التعبير والتنظيم، والتوصُّل لتسويةٍ سِلمِيَّة للصِّراع السياسي والنزاع المُسلَّح، وذلك تمهيداً لانتخاباتٍ نزيهة وشفَّافة. كما أن التنسيق في هذا الشأن بين أمريكا وألمانيا، والتي دَعَت جميع الأطراف المُتنازِعَة إلى برلين (25-26 فبراير 2015) لا يُمكن أن تُخطِئه عين. حقاً، فقد هَمَسَ دونالد بوث، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، لمصدرٍ موثوق بقنواتِهِم للتواصُل مع حكومة السُّودان، تقتصر فقط على ثابو امبيكي والألمان. ويهدف الألمان من جمع كُلِّ الفُرقاء إلى تقريب وجهات النظر بينها حول سُبُلِ حَلِّ الأزمة السودانيَّة، وإيجاد وسيلة لتليين شروط وثيقة "نِدَاء السُّودان"، كما أنها دعوة لفتح الطريق للتواصُل بين المؤتمر الوطني وفصائل المعارضة المدنيَّة والمُسلَّحة. زيارة نائب الرئيس لأوغندا والاستقبال الحار للمُضيف، بما في ذلك اجتماع الرئيس موسيفيني، من الأحداث التي أرسلت إشاراتٍ غير مُطمئِنَةٍ للجالية السودانيَّة في كمبالا. بعد سنواتٍ من الفُتُور الملحوظ في العلاقات الثنائيَّة، تمَّ تمديد دعوة مفاجئة للرئيس البشير لزيارة دولة الإمارات العربيَّة المتحدة لمدَّة خمسة أيام، بدأت في 21 فبراير 2015. ويرى "أليكس دي وال" أنه بالرغم من أن زيارة الرئيس البشير لدولة الإمارات العربيَّة المتحدة ركَّزت على المواضيع التجاريَّة، إلا أنها أيضاً أشارت إلى الجُهود الجارية لتحقيق التوازُن السياسي في علاقة البلدين. وتشهد العلاقات مع مصر تطوُّرٌ لا يمكن إغفاله في مجالاتٍ عديدة، وتُبشِّر بفكِّ عُزلة السُّودان من محيطه العربي، وإشراكه في مواجهة خطر تمدُّد التطرُّف من قِبَلِ جماعاتٍ إرهابيَّة، مثال "داعش" و"بوكو حرام". وفي تطوُّرٍ لافِت، بدأت، في 15 فبراير بالخرطوم، الاجتماعات المشتركة بين حكومة السُّودان والاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة، للاتفاق حول مرجعيَّات فريق العمل المُشترك، المُناط به الإعداد العملي لإستراتيجيَّة خروج البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لدارفور "يوناميد". كما أفاد، لاحقاً، تقريرٌ للأمين العام للأمم المتحدة، قدَّمه لمجلس الأمن في 6 مارس الجاري، بأن المنظمة الدوليَّة تضع "خارطة طريق" لإعداد انسحابٍ تدريجي لقُوَّتها المشتركة مع الاتحاد الأفريقي في دارفور ونقل بعض مهامِّها إلى الحكومة السودانية وفريقٌ مُصغَّر من الأممالمتحدة مقرُّه السُّودان. وفى سياق الانفراجات التي بَدَت على سطح العلاقة ما بين المجتمع الدولي والحكومة السودانيَّة، حفظت المُدَّعيَة العامة للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة التحقيق في جرائم حرب دارفور لعدم تحرُّك مجلس الأمن للضغط من أجل تنفيذ أوامر القبض الصادرة من المحكمة. وتجدُرُ الإشارة إلى ورقة قدَّمها الأمين العام للحركة الشعبيَّة - شمال لمعهد أبحاث السلام - أوسلو، في 8 يناير 2015، أقرَّ فيها بأنه: "في ضوء الانقسام داخل مجلس الأمن الدولي، نتيجة لعوامِلَ كثيرة، تستفيد الحكومة السودانيَّة من غياب الإرادة السياسيَّة الدوليَّة، بالإضافة إلى التحديَّات الجسيمة لحالة عدم الاستقرار في الدول المجاورة للسُّودان". انتهى النقل من مقال دكتور الواثق خلاصة الأمر عندي هي أن المعارضة اليوم ليست في وضع يبرر لها أن تتعنت أو تفرض أي شروط على النظام في هذه الظروف، ولن تستطيع تفكيك النظام ولا إسقاطه سلمياً أو عسكرياً، ولا حتى الاتفاق معه على أن يظل البشير رئيساً صورياً كما يقول الأستاذ أبو بكر القاضي، وكل محاولاتها في هذا السبيل لن تطول منها ما طالته الحركة الشعبية تحت قيادة البطل الراحل جون قرنق، والذي على الرغم من قوته العسكرية ووحدة جماعته وحصافته ودعم المجتمع الدولي له غير المحدود، لم ينل في المفاوضات مع النظام أكثر من تمثيل ضعيف في حكم السودان كما رأينا في اتفاقية نيفاشا، فما الذي يجعلل معارضة اليوم الهزيلة لا تعرف قدر نفسها وتتعنت بما يزيد النظام بطشاً وتعنتاً يدفع ثمنه الشعب السوداني؟ أليس المنطقي هو أن تقبل المعارضة بما يعرضه نظام الانقاذ في هذه الظروف وتسعى مستقبلاً لتوسيع وزيادة هذا القدر المتاح مهما قل، بدلاً من وضع البلاد والعباد رهينة في هذه الحالة التي تبرر للنظام توجيه كل مقومات البلاد وميزانيتها لصد ومقاومة المعارضة العسكرية الوهمية التي لا تعمل إلا لزيادة أوجاع البلاد؟ سلام سلام سلام [email protected]