*(لو كنت نبياً لجعلت رسالتي السعادة لكل البشر، ووعدت اتباعي بالحرية، ومعجزتي وضع الضحكة والبسمة في أفواه الكبار والصغار. ما كنت لا توعد أحداً بنيران جهنم ولا اعد أحداً بالجنة. كنت سادعوهم فقط إلى أن يكونوا بشراً وأن يفكروا..). - شارلي شابلن- .. كان ناظم حكمت الشاعر التركي يسارياً مناضلاً. وكلمة يساري تعني أن تفطر وتتغدى وتتعشى مع اليساريين أو وحدك على الأقل. لا أن تفطر مع اليساريين وتتغدى مع اليمينيين. وكما يقال في العصر الحاضر أن تفطر مع المعارضة وتتغدى مع الحكومة. أصلاً لا اليمين شتيمة ولا اليسار مديح. نشأ مصطلح اليسار واليمين من فرنسا حيث كان يجلس على يمين الملك النخبة من الاقطاعيين والرأسمالين وعلى يساره ممثلو عموم الشعب أي الكادحين. ومنه صار اليسار رمزاً لشعارات الطبقة المسحوقة، واليمين رمزاً للطبقة (إللي الله رازقها) أي للطبقة التي حصّلت ثرواتها بعرق الطبقة الأخرى. مع أن ناظم حكمت لم يكن مبدعاً كبيراً، لكن تاريخه ونضاله حقق انتشاراً كبيراً، غطى على قيمته الإبداعية. بينما نيرودا مثلاً كان يملك قيمة إبداعية موازية تقريباً للنضالية. مسألة اليسار واليمين كانت وستبقى إشكالية وخاصة في عالمنا العربي. طفلتي الصغيرة مثلاً تجلس أمامي وتقول لي هذه يدي اليمين وهذه اليسار. وأنت يا بابا ؟ أقول لها هذه يدي اليمين وهذه اليسار. وكوني أجلس أمامها فإن يدي اليمين تكون مقابل يدها اليسار. فتقول لي يا بابا لماذا يدك اليسار غير يدي اليسار واليمين أيضاً ؟ حيرني هذا السؤال وكيف أجيبها. فأجلسها في حضني فتتطابق يدي اليمين على يمينها ويساري على يسارها. وحين تعود وتجلس أمامي تقول لي لماذا صارت هذه اليسار وهذه اليمين؟ أعادتني إلى الإشكالية. قلت لها يا حبيبتي منذ الأزل ثمة اختلاف وإشكالية في هذا الأمر. كان الحل هو أن يجلس اليسار في حضن اليمين حتى يحصل التطابق وأحيانا العكس. المهم أن لا يكون هناك إشكال. أصلاً نادراً ما كان هناك يسار ويمين في العالم العربي. أثناء الشعارات الكل يطرح شعارات اليسار وحين الوصول الكل ينفذ شعارات اليمين. فلماذا نشغل أنفسنا بجدال لا مبرر له؟ تعود طفلتي بخبث وهي مبتسمة، تشبك يديها وتقول لي: (هسه أياها اليمين وأياها اليسار)؟ المهم كان أصدقاؤنا اليساريون يرددون دائما مقطعاً متفائلاً لناظم حكمت. حيث يقول: أجمل النساء تلك التي لم نرها بعد وأجمل القصائد تلك التي لم نكتبها بعد، وهكذا.. طبعاً كان مغرياً أن نتابع قصيدة ناظم حكمت ونقول استطراداً في التفاؤل: أجمل القرارات ذلك الذي لم يصدر بعد، أجمل الضرائب تلك التي لم تفرض بعد، أجمل المسؤولين ذلك الذي لم يعيّن بعد، أجمل الزوايا تلك التي لم ترفض بعد، أجمل الانتخابات التي لم تخج بعد، أجمل الحكومات تلك التي لم تُشكل بعد. [email protected]