من متابعاتي لاحظت أن الرأي العام السوداني، وبما يشبه الإجماع يتفق مع موقف الحكومة في قرارها المشاركة في (عاصفة الحزم).. لاستعادة الشرعية في اليمن الحبيب.. إجماع لصالح القرار الخارجي.. رغم الإجماع على خطل سياسات الحكومة الداخلية. يبقى السؤال المهم الحتمي.. هل تستثمر الحكومة هذا الإجماع لإصلاح الأوضاع الداخلية.. أم (تركب رأسها) وتعتبره بطاقة تأييد لمواقفها في الداخل.. فتمعن في مزيد من الاستنكاف عن الانفتاح داخلياً.. وتمضي قدماً في التضييق والاحتكار السياسي. موقف الحكومة السودانية الداعم للسعودية والتحالف العربي قرار صائب بكل تأكيد.. لكنه ليس وليد (إستراتيجية) خططت لها الحكومة فأوصلتها إلى هذا الموقف التاريخي.. فحرب (عاصفة الحزم) جادت بها مقادير الحظ السعيد في اليمن السعيد.. ولو تغير التاريخ ولم يتحرك الحوثيون نحو عدن لما كان هناك (عاصفة).. ولما كان هناك من باب يلج منه السودان إلى قلب الخليج العربي.. ويقلب موازين المشهد العربي بأكمله.. فطالما أن (عاصفة الحزم) هي من مقادير لم نحسب لها حساب.. فالأولى أن نشكر الله عليها بمزيد من التراحم الداخلي.. توطئة الأكناف السياسية للوصول إلى توافق يرحم السودان من شيطانه المريد. إذا استشعرت الحكومة وحزب المؤتمر الوطني أن دفقة القوة الخارجية التي أنعم الله بها عليها من حيث لا تدري.. هو (مباركة) لسياساتها الداخلية, فإن ذلك هو عين (كفران) النعمة الموجب لزوالها.. وباعجل ما تيسر.. الحوثيون كان أمامهم على المائدة فرصة لا تعوض للتوافق الوطني وحل الأزمة اليمنية من جذورها والانطلاق نحو آفاق جديدة.. لكنهم تحسسوا عضلهم بدلاً من عقلهم.. وأبطرهم السلاح الذي في أيديهم عن السلام الذي في متناول أيديهم.. وأضاعوا الفرصة تلو الفرصة حتى آخر دفقة أمل قبل وصولهم إلى مشارف عدن.. وعندها انقلبت الطاولة عليهم.. فحصدوا (عاصفة الحزم).. ولم يعد بالإمكان إرجاع عقارب الساعة للوراء والتراجع عن غيهم.. هنا نحن في السودان أمام قدر جديد.. فرصة انفتاح واستعادة اللُحمة الداخلية.. فهل تفعلها الحكومة.. أم تتحسس عضلها بدلاً عن عقلها.. مشروع الحوار الوطني متعطل في محطة (التكتيك!).. ومبادرة الاتحاد الأفريقي لتحريكه عبر مفاوضات (تحضيرية) في أديس أبابا يفترض أن تنعقد اليوم.. باتت شبه فاشلة.. فما هو الجديد الذي يمكن أن تقدمه الحكومة في الداخل؟.. هل ينتظر السودان انجلاء الانتخابات (المعلوم سلفاً نتيجتها) أم بالإمكان استثمار حالة الرضاء الشعبي عن قرار المشاركة في (عاصفة الحزم) لصناعة تراضي سوداني داخلي؟.. الأمر في يد الحكومة.. وقد لا تكون هناك فرصة أخرى.. التيار