* الاستبداد الديموقراطي لا يلغي مؤسسات الدولة كي لا ينفرد بالسلطة احد, ولكن هذه المؤسسات تفرغ من وظائفها بحيث تصبح معبرة عن إرادة الفرد, وليس المجتمع ، بحيث ينال هذا الفرد من الحماية أكثر مما تناله مصالح الناس.تشكل الأحزاب,وتجري الانتخابات, وتنتخب الحكومات , مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان, وكل هذه مؤسسات ديموقراطية تحركها من على البعد أصابع في صيغة تبقي المستبد الديموقراطي بعيدآ في الظل, بينما يوظف اعوانه كل ذلك لحسابه. * كلمات استعرتها من مقال, او قل دراسة علمية للمستشار طارق البشري الذي يواصل الوصف الدقيق لحالة المستبد الديموقراطي, فيقول بهذه الصيغة المبتكرة يمارس المستبد الديموقراطي نفوذآ أوسع , فما يقوله يوافق عليه البرلمان فيكتسب الشرعية لاستبداده, في وضع لو تم وصفه بدقة, فانه ليس تدميرآ للحاضر فحسب, بل زحف على المستقبل, فأي مستقبل يرجى لمجتمع فقد العافية بسبب الاستبداد, وبات الفضاء السياسي فيه مجرفآ,اصاب القوى السياسية فيه بالضعف والوهن, فباتت لا تمارس السياسة.انتهى. *وحقيقة الأمر أن الأحزاب السياسية تمارس كل ما هو بعيد عن السياسة, واكبر ممارساتها تحضير الأرواح السياسية, بعد أن أصيبت بالعقم, وتجلى عقمها في عجزها عن ولادة قيادات شيابية تواصل مسيرتها. وهذا ماعبد الطريق للمستبد الديموقراطي, ليتمادى في استبداده, وممارسة الأحزاب تحضير ارواح قياداتها,افقدت مؤسسات المجتمع القدرة, فأصابها من العجز ما أصاب تلك الأحزاب. واستندت في معارضتها للنظام إذاً ، علي عجز الأحزاب والمؤسسات, تقوم نخبة تبشر بعبادة السلطان, نخبة اغتالت التنوع, والخلاف معها جريمة تعاقب عليها قوانينهم , حتى اصبح الخلاف جريمة من جرائم أمن الدولة. *هذا الوضع قتل روح الابداع, أيآ كان نوعه, سياسيآ كان أم اقتصاديآ, علميآ كان ام اجتماعيآ. وفي ذات الوقت فتح الباب على مصراعيه للفساد, اداريآ كان أم ماليآ, وما بينهما من فساد أخلاقي. * وغياب القيادات السياسة, بسبب ممارسة السياسيين تحضير أرواحهم, والذين من ضعفهم استمد المستبد الديموقراطي قوته, وهي قوة تتحول بمرور الزمن الى ضعف ووهن, يحولانه الى رهينة للضغوط الخارجية, وفي أغلب الحالات تصبح خشيته من الخارج, اكبر بكثير من خشيته من خالقه. * وغياب القيادات السياسية يتناسب طرديآ مع استمرارية الاستبداد الديموقراطي, وهذا الضعف يتيح للمستبد الديموقراطي الاستمرارية في غيه وطغيانه, الأمر الذي يجبر السياسي الضعيف ان يمد يده للمستبد الديمقراطي, في تحالف مشبوه ومدفوع الثمن من أموال الأمة التي شبه للمستبد الديموقراطي أنها بعض مما ورث عن أبيه. * وهؤلاء الذين يمدون أيديهم للمستبد الديموقراطي, انما يقدمونها استسلامآ غير مشروط, فالذي يشترط في هكذا وضع هو المستبد الديموقراطي, بل يصبح عضوآ منبوذآ في منظومة تأليه المستبد الديموقراطي, فهو نشاز فيها وان مارس معهم فسادهم واتبع ملتهم وفسادهم. * وفي ظل الاستبداد الديموقراطي, تنمو وتنشط العنصرية والصراعات القبلية. وهذا نتاج ضعف الأحزاب السياسية التي ارتكبت أخطاء قاتلة بلجوئها الى القبيلة, في حين ان العكس هو الصحيح, فالقبيلة هي من يلجأ للحزب, وبذلك أوقدوا نارآ لو طلب منهم اطفاؤها لأصابهم العجز التام. كما أن هذا الاسلوب مهد للعنصرية والكراهية بين القبائل , والحروب القبلية في بلد له امتداداته في دول الجوار, عادة ما تتمدد لتعم الدولة والاقليم. وفي هذا الأمر خطر داهم على وحدة البلاد وترابطها الأمر الذي يجعل الأمر ميسورآ لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة الذي خطط للسودان ليكون نموذجآ تطبيقيآ لهذه النظرية. * والشعوب التي تعيش في ظل الاستبداد الديموقراطي, من طوارئ وقبضة امنية, ومؤسسات تجعل من حاكمها المستبد الهآ, وفي ظل غياب القيادة السياسية, تظل تعاني من تلك المؤسسات التي قام عليها الاستبداد الديموقراطي, ولهذا السبب فشلت معظم ثورات الربيع العربي, التي تحولت بفعل هذه المؤسسات الى جحيم حارق، و ندم الثوار على ثوراتهم. * هذا الوضع جعل المواطن في حيرة من أمره فقد وضع أمامه ان يختار ما بين السيِّء والأسوأ ليعيش الحاضر المدمر دون النظر الى المستقبل القاتم، الذي يجهله حتى من بلغ الثلاثين من العمرحيث لا يفكر في مستقبله, وهو يصارع الحاضر, وينظر الى المستقبل بلا مبالاة, وشعاره اليوم خمر وغدآ أمر. * وفي ظل اللامبالاة هذه من الجانبين (الحاكم والمحكوم) والمعطيات من ضعف السياسة والسياسيين, الغارقين في تحضير ارواحهم , وغياب الشباب عن الساحة, ووجود مؤسسات حاكمة تسير في اتجاه واحد, نجد أن الحل يزداد تعقيدآ, ولكنه غير مستحيل ان خلصت النوايا, وتخلي الجميع عن وهم لطالما اعتراهم, حاكمآ كان أم معارضآ, بأنه في شخصه الفاني هو الحل,الأمرالذي شغل الجميع حكامآ كانوا أم معارضين بممارسة تحضير الأرواح. * واذا القينا نظرة الى الدول التي تقدمت في العلوم والادارة لوجدناها قد اعتمدت على أهل العلم من التكنوقراط , سويسرا على سبيل المثال لا الحصر دولة تكنوقراط من الطراز الأول, وأصبحت قبلة رؤوس الأموال من حلال وحرام, ورغم ذلك لم يخرج منها سياسي بارز, وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأسكندنافية ، وهي كذلك دول تكنوقراط , برز منها سياسيون كلورد بيرنادوت الذي ذاع صيته في الحربين العالميتين الأولى والثانية, وداج همرشولد الأمين العام السابق للأمم المتحدة, واولاف بالمي الدبلوماسي الذي كان وسيطآ في الحرب العراقية الايرانية. الأول تم اغتياله في فلسطين بأيدي اليهود, والثاني تم اغتياله في الكنغو, أما الأخير فقد تم اغتياله في ستوكهولم وهو خارج من دار للسينما مع زوجته, وجميعهم من السويد. * فالدول التي لا يمارس اهلها السياسة تجدها الأكثر نموآ ورقيا , ومواطنوها يعيشون في رغد من العيش, ورغم انها لم تعلن عن تكنوقراطيتها الا انها مثال يحتذى لدولة التكنوقراط. * ما الذي يحول بين السودان و بين ان يكون دولة تكنوقراط بعد قشل السياسيين والعسكر على السواء من اخراج البلاد من كبوتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية؟ *أليس في بلادنا من رشيد يهديها سواء السبيل؟ [email protected]