*(مَنْ يهجرك مِن أول زلّة فاعلم أنه كان ينتظرها..!). (إذا وضعت أحداً فوق قدره فتوقع منه أن يضعك تحت قدرك..). .. الخبر الذي هزّ الأوساط الفنية و(الثقافية) مؤخراً يتعلق بمطربة كويتية اسمها شمس، بدأت شهرتها عندما غنت منذ سنوات أغنية تهاجم فيها جورج بوش الصغير، لكن هذه الأغنية كانت خارج سياق تجربتها الفنية، إذ سرعان ما عادت إلى (الفيديو كليب) المعتاد في الغناء العربي، والمطعم بالرقص والفرفشة، وبحكاية مكررة يرويها (الكليب) عن حبيب وهجران ومصالحات سريعة وسيارات فارهة وقصور وشواطىء كالخيال، أي حكاية (كلها دليب بدليب) بالنسبة للمشاهد العربي الذي يشاهد هذه الكليبات غالباً من بيته الصغير الذي بناه على عجل في أحد أحزمة الفقر التي تزنّر مدننا، وربما كان في الأمر تعويضاً عن حرمانه من معظم ما يسمونه حقوق الإنسان، من عمل وخدمات وحرية وكرامة، وهو ما يعرفه أكثر منا المختصون بعلم النفس، الذي يسميه المثقفون (سوسيولوجيا)، على ما أظن. عودة إلى الخبر الهزة: فقد قام بعل شمس، أي زوج المطربة، الذي لم تذكر الأنباء اسمه كي لا يأخذ بعضاً من سطوع شمس في الخبر، وفي خطوة عدائية من جانب واحد، قام بحذف شمس من (الواتس أب) و(تبليكها) أي حظرها بلغة الأنترنيتيين، والسبب الوجيه أن زوجته المصون أرسلت له على هذا التطبيق صورة فيها حب وغرام لتذكره بنفسها ربما، واعتبر الزوج القاسي أنها تعكس غرور زوجته، فرد عليها بكلمتين مقلداً مولانا الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أرسل لزوجته هند بنت النعمان، حين أراد تطليقها، كلمتين لا ثالث لهما مع رسوله عبد الله بن طاهر: (كنتِ فبِنتِ)، أما زوج شمس فقد أرسل لها كلمة وحرفاً فقط: يا مغرورة.. ثم عمل لها (بلوك)، مانعاً أي اتصال معها على هذا التطبيق. طبعاً سخرت شمس من فعلة الزوج العنيد قائلة على حسابها الخاص على موقع التواصل (إنغسترام): (توبة ابعتلو صور) مستقبلاً.. فقط سأرسل له أذكار الصباح.. لو كان لدى الحجاج بن يوسف وزوجته هند حسابات على (الفيسبوك) و(الواتس أب) و(الإنغسترام) وحصل بينهما سوء التفاهم الذي أدى إلى الطلاق، هل كان الحجاج بحاجة الى رسول يرسله من الكوفة إلى البصرة حيث تقيم زوجته ليبلغها بهاتين الكلمتين؟ ويرسل معه مؤخرها البالغ مبلغاً خيالياً حينذاك (مئتا ألف درهم..)؟! وهل كانت هند مضطرة أن تروي لاحقاً ما ردت به على رسول زوجها قائلة: اعلم يا بن طاهر، إنا والله كنا فما حمدنا وبنّا فما ندمنا، وهذه الأموال لك بشارةً بخلاصي من كلب بني ثقيف؟! لو أن لديهم كل هذه التقنيات لاختصرت الحكاية بكلمات يحملها الهواء، ثم بلوك، ومؤخر هند كان سيرسل بحوالة على (الوسترن يوينون) وفضّت يا عرب، ولما خلدت القصة عبر التاريخ، خاصة ما حصل لاحقاً من قيام هند بإذلال الحجاج أيّما إذلال، الحجاج الذي كان يرتعش أمامه الرجال الرجال، وأجبرته أن يقود، حافياً بكامل حلية الولاية التي كان يضعها، محملها (البعير الذي يحملها مع الهودج) من المعرَّة إلى دمشق، حيث ينتظرها الخليفة عبد الملك بن مروان الذي طلب يدها، وكان شرطها الوحيد هو إذلال السفاح بهذه الطريقة، وقد لبى ابن مروان طلبها، وأجبر الحجاج على ذلك. أما شمس فإن قصتها ستنسى كما الكليبات التي تغنى هذه الأيام، ثم لا تلبث أن تدخل آبار النسيان ما إن يولد فيديو كليب جديد المطرب نفسه أو المطربة نفسها، لكن تناقل خبر كهذا يضيف جماهيرية جديدة إلى (رصيد) المطربة، ويخدم (مسيرتها الفنية). لا وجه للمقارنة بين المرأتين، ولا حاجة لسرد ما كانت عليه هند، وما تقدمه شمس ومثيلاتها من صورة استهلاكية شنيعة للمرأة. ومتأخراً، بمناسبة مرور يوم المراة العالمي، وعيد الأم.. يا كل نساء بلادي: أعلم أنّ كلّ واحدة فيكنً هي هند وأكثر، لكن القيود والأغلال والسلطات على اختلافها، والأعراف والتقاليد والقوانين الوضعية أيضاً معظمها تقف ضدكن، والآن يضيف هذا النظام الإسلاموي العبثي إلى الغبن غبناً، وأنتن أكثر من تدفعن ثمن هذا الجنون المستشري. يبدو أن قصة شمس كانت حجة لنقول ما نريد قوله.. وبعض الظن ليس إثماً.. قفلة آخر السطر: حينما يخذلنا الحُب والأصدقاء.. نعود لممارسة أشياء كُنا نمارسها من قبل كالنوم مبكراً، وهجر هواتفنا لمدة طويلة، نعود كالغُرباء، لا يُهمنَا أحدْ.. [email protected]