من النساء العربيات اللواتي تحدثت كتب التاريخ عن مكانتهن الرفيعة، وسيرهن العطرة، وما تمتعن به من جمال أخاذ، وعقل راجح، واعتداد بالنفس، هند بنت النعمان، التي اشتهرت قصتها مع الحجاج بن يوسف الثقفي، وهو في أوج سلطانه وما اشتهر به من بطش، وقهر وترويع للرعية.. إذ تذكر كتب السير والأخبار، أن الحجاج سعى للزواج بها، ورغم رفضها، أكرهها أبوها للزواج به، وذات يوم استمع إليها الحجاج وهي تنشد، أثناء ترجيلها لشعرها أمام المرآة: ( وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل ) ( فإن ولدت مهراً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل ) فما كان منه إلا أن طلقها، وبعث لها بمؤخر صداقها الذي يبلغ مائتي ألف درهم، فلما جاءها رسوله بالخبر والمال، قالت له: بشرك الله بالخير، وما حملته لي من مال؛ فهو لك، نظير بشراك.. ولما سمع أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان بقصتها مع الحجاج رغب في الزواج بها، فأرسل إليها بذلك، ووافقت بعد تردد، ولكنها اشترطت أن يقود ركبها إليه الحجاج بن يوسف، وهو حاف، على طول الطريق من العراق إلى دمشق.. حينها أرسل عبد الملك للحجاج يأمره بتنفيذ الأمر، وحفظاً لمكانته، أمر أن يفرش الخدم بين يديه السجاد الفاخر ليمشي عليه.. يقال: إن هنداً رمت على مشارف مدينة دمشق ديناراً، وقالت له: يا هذا .. لقد وقع مني درهم، فنظر فإذا هو دينار,, فقال لها: بل هو دينار.. قالت ولكن الذي سقط مني درهم، فأكد لها أنه دينار.. فقالت: الحمد لله الذي أبدلني بالدرهم ديناراً.. في تعريض بليغ موجع بالحجاج، مقارنة مع أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.. وكنت قد كتبت قصيدة في مطلع تسعينات القرن الماضي مهادة للأميرة الشاعرة سعاد الصباح وأسميتها " همسة عتاب ألى هند بنت النعمان ".. ولطول القصيدة نجتزئ منها المقاه التالية: ( 1 ) وسألتِ عنها ... من تكون ؟ وكيف نالت حظوة التاريخ ؟ واكتسبت براءات الخلود ؟! لو تعلمين أميرتي ... هي مهرة عربية رضعت لبان العز .... والمجد المؤثل والبهاء .... وتمثلت قيم العروبة عبر ماضيها المجيد شهامة .. وجسارة .. وتوثباً ... يذكي أوار الكبرياء .... وترسمت .. في سعيها الموصول ,, خطو الأنبياء .... ... كانت .. وما زالت .. وسوف تظل ما دام الوجود .... أمثولة للعزة القعساء .. والنفس الأبية .. والصمود .... ولسوف تبقى .. رمزنا العربي ... للسحرالطليق ... وللعذوبة .. والرواء ... **** يا هند كيف نسيت ماضيك المجيد .. وأيِّ مجدِ ! أين الحميّة والجسارة والتّصدِّي ؟! أين الإباء ... وأين روح الكبرياء .. وأين قفّاز التّحدِّي ؟! ... ما زلت أذكر ذلك الماضي ... وما نفثته في الوجدان سيرتك الشذيّة .... لمّا وقفت أمام طاغية العراق .. وسيفه الملتاث .. في عصر المغازي البربريّة .... أطلقت في سمع الزمان وسمعه .. دون ارتعاب أو مهابة .... قولاً كحد السيف والرمح الصقيل .. ورمية ما أخطأت يوماً إصابة : أيا ابن جلا وطلاع الثنايا .. ألا .. فاخلع عمامتك المهابة .... وخلِّيني أرى التنكيل دوني .. فلن أعدو لأبحث عن مثابة .... أيا بغلاً نفته ثقيف يوماً .. لما شامته فيه من الجلافة والصلابة .... أتطمع أن تخيف الناس طرّاً .. وتمتلك المشاعر والرِّقابا .... (؟) سكرت بخمر ملكك دون حدٍّ .. وخلت النّاس كلهمو كلابا .... وها هي ذي ابنة النعمان تأبى .. وترفض أن تنال بها طلابا ....