*(ليس هناك ما هو أقسى على العبيد من أن تعلمهم الحرية، لأنهم يخسرون الشيء الوحيد الذي يملكونه إن هم أصبحوا أحراراً..). .. التقى حشد من الحمير في سوق إحدى القرى، ومن نهيق لنهيق، احتدم النقاش، فرفع حمار شاب صوته وقال: البشر استعبدونا، ركبوا ظهورنا لمئات السنين ولم نعترض يوماً على أعمال السخرة التي أجبرونا عليها، مقابل حفنات قليلة من العلف، وقد آن الأوان لنقول لهم كفى، ونطالب بحقوقنا، كما يطالب بها بنو البشر ليل نهار، (وما فيش حدا أحسن من حدا)!. وافق حمار آخر على كلامه وأردف: يمنوننا بأنهم علمونا القيام بأعمال مفيدة، كحراثة الحقول، وحمل الأحجار الثقيلة لبناء البيوت والزرائب، لكنهم لا يعترفون بأن بعضهم تعلم منا (الحيونة)!. قاطعه حمار ثالث مؤكداً كلامه: ألم تروا كيف أقاموا الحد على تمثال الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري، فقطعوا رأسه! وكيف فجّروا تمثال الشاعر محمد الفراتي! وفي مصر ألم تسمعوا كيف طالبوا بهدم الأهرامات وأبو الهول؟ وكيف قطعوا رأس تمثال عميد الأدب العربي طه حسين؟ وهل رأيتم كيف ألبسوا تمثال أم كلثوم نقاباً في ميدان الشهداء بمدينة المنصورة؟!. قال حمار آخر وهو ينهق من الغضب: حتى ابن اختنا الجحش لا يفعل ذلك!. وبعد مداولات ومداخلات اتفق الجميع على أن بني البشر لم يعودوا مؤهلين للوصاية على معشر الحمير، فقرروا تشكيل مجلس يقوم بإجراء اتصالات مكثفة مع منظمات حقوق الحيوان الدولية، للمطالبة بمساعدات عاجلة، بما فيها حدوات فولاذية للرفس، من دول حلف الناتو، الراعي الحصري للحيونة في القرن الحادي والعشرين. كما توافق المجتمعون على إرسال مبعوثين لخرتيت بلاد الموز، الملهم الفذ للحيونة في هذا الزمن، من أجل الحصول على مباركته، ودعمه المادي والمعنوي. وفي ختام الاجتماع رفع الحضور أصواتهم عالياً بالنهيق!. إلا جحشاً صغيراً، بقي صامتاً طوال الوقت، وحين التفت إليه الجميع، قال: أنا لا أفهم في السياسة، لكن ما معنى أن تكون حراً، وأنت حمار!. [email protected]