يسألني الكثير حول أفضل الكتب لمالك بن نبي، وبما أن السؤال تكرر في مناسبات عدة وعبر أشخاص كثر، أصبح من اللازم وضع خطوات لكيفية قراءة مالك بن نبي والاستفادة منه، وهي.. لايوجد لدى مالك بن نبي كتب مهمة تتطلب الوقوف عليها، وكتب غير مهمة لاتتطلب ذلك، بل بأيهما يبدأ القارئ، لتعم الفائدة؟. أولا: كتب البداية.. يستحسن البداية بكتاب بمحاضرة "دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين"، باعتبارها المحاضرة الأخيرة وسهلة بسيطة وتعبر عن آخر ماكتبه بن نبي. كتاب "دور المسلم في عالم الاقتصاد"، وهو كتاب بسيط وإن كان يبدو في البداية كتاب إختصاص، وهو ليس كذلك. وكتاب "بين الرشاد والتيه"، و وهو مجموعة مقالات سهلة بسيطة، تعطي نظرة عامة عن بن نبي وفكره، والمواضيع التي كانت يومها تشغل باله، وكيف عالجها وتطرق إليها. وكتب "آفاق جزائرية"، و"من أجل التغيير"، و"في الحضارة وفي الإيديولوجيا، نصوص غير معروفة".. يحتوي على مجموعة مقالات ومحاضرات سهلة بسيطة، كتبها إبان عودته للجزائر. والكتب يعطي صورة عن الوضع العام في الجزائر إبان استرجاع السيادة الوطنية، وعلاقة بن نبي مع بن بلة وبومدين يومها، وكيف تعامل معهما، والأفكار التي سعى لطرحها والدفاع عنها. ثانيا: كتب المناسبات.. ثم ينتقل بعدها لكتب المناسبات وهي سهلة بسيطة. يبدأ بكتاب "الفكرة الإفريقية الأسيوية"، يتعرض فيه بن نبي للوحدة الإفريقية الأسيوية، من الناحية الفكرية والنظرية، والحلم الذي كان يراوده، وأصيب بصدمة عنيفة بسببه. ثم كتاب كرة "كومنويلث إسلامي"، حاول فيه بن نبي إسقاط تجربة الكومنويلث البريطاني على العالم الإسلامي، ليستلهم منه مايعزز وحدته وقدراته، وهو كتاب سهل بسيط، لايلاحظ فيه القارئ الجانب التنظيري، بل هو درس تطبيق. ثالثا: الكتب التي لم تتكرر.. إذا أراد القارئ عن يقف على أول وآخر رواية كتبها بن نبي بعنوان "لبيك"، وهي في الحقيقة ليست سوى سرد لواقع عاشه بن نبي بأسلوب أدبي عن رحلة الحج، لم يعهد القارئ في الكتب الأخرى، لذك لم يتكرر هذا النوع من الكتابة في كتبه جميعا. وكتاب "الظاهرة القرآنية"، باعتباره كتاب لم يتكرر ولم يكتب مثله، وسهل من حيث القراءة، خاصة وأنه يعتمد على المقارنة بين القرآن الكريم والإنجيل، وإن كنت أحبذ أن يترك الأخير في الكتب السهلة. رابعا: الكتب العميقة.. بعدما تتم عملية قراءة كتب مالك بن نبي السهلة البسيطة، المتعلقة بالمناسبات والتي لم تتكرر، يستطيع القارئ بعدها الانتقال إلى قراءة الكتب العميقة ذات البعد الحضاري وهي.. كتاب "وجهة العالم الاسلامي الجزء الأول"، فقد أبدع فيه بن نبي، وأهميته تكمن في أنه كان في بداية مشواره الفكري، وكانت الجزائر والأمة، تحت سوط الجهل والفقر والتبعية المطلقة للمستدمر وللحماية بأنواعها. ثم كتاب "شروط النهضة"، وأهميته تكمن في كونه يعتبرعنوان كل كتب بن نبي وأساس أفكاره التي وضعها ودافع عنها وحارب لأجلها، فقراءة هذا الكتاب تمنح القارئ، قوة وثقة لمواصلة كتبه جميعا، وأرضية صلبة لفهم مانثره عبر كافة كتبه. ثم ينتقل بعدها القارئ إلى كتاب "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، أهمية الكتاب تندرج في نقطتين.. الأولى أنه الكتاب كتبه بن نبي في أواخر حياته سنة 1972، مايعني أنه أكد على ماذكره في الكتب السابقة. والنقطة الثانية يعتبر خلاصة لما طرحه بن نبي سابقا، فهو عصارة لما كتب ونشر، ومن هنا تندرج أهمية الكتاب. ضف أن بن نبي لم يضف جديدا في الكتاب، سوى أنه أكد على تجربته ومواقفه، وكأنه يقول هذا آخر عهدي بكم، وهذه وصيتي في عالم الأفكار، عضوا عليها بالنواجذ. يعرج بعدها لكتاب "مشكلة الثقافة"، فقد إستطاع بن نبي أن ينظر للثقافة من زاوية مغايرة عن الذين سبقوه، حين تطرق لعناصر الذوق والجمال، وفرق بين العلم والثقافة واعتبر الثقافة سلوكا يوميا وليس مادة علمية يتباهى بها المرء. وتكمن أهمية الكتاب في أن بن نبي تطرق للثقافة عبر كتبه ومحاضراته ومقالاته، مايدل على منزلة الثقافة لدى بن نبيي ، وعنصرا أساسيا في شروط النهضة التي دعا إليها. خامسا: كتب المذكرات.. ينتقل بعدها القارئ إلى عالم المذكرات التي دونها بن نبي في حياته أو بعد مماته، وأهمها "مذكرات شاهد القرن" في جزئيه "الطفل" و "الطالب "، ويستطيع من خلالها القارئ الوقوف على طفولة بن نبي ومرحلة الدراسة، التي كانت لها أثر في بناء شخصيته من الناحية التربوية والعلمية خاصة. سادسا: أترك "العفن" في الأخير.. ويجعل آخر كتاب يقرأه ولا يبدأ به أبدا، وهو كتاب "العفن"، لأنه من أخطر الكتب وأعظمها. وهو كتاب طبع بعد عقود من الزمن بعد وفاته وبوصية منه، لأنه ذكر أسماء بعينها وصفات قبيحة لهم، وأنكر على الجميع دون استثناء، ويرسم صورة قاتمة سوداء لحياته وعلاقاته مع محيطه السياسي والديني والاقتصادي. وهو من أجرأ الكتب على الإطلاق، ولا يلاحظ فيه المرء بن نبي المفكر، بل يلمس فيه بن نبي العنيف، المخاصم، العنيد، الذي يشتم ويسب، لذلك لاأنصح بقراءة "العفن" للمبتدئ فإنه يسيئ الفهم لبن نبي أولا ولمحيطه ثانيا، وسيصاب بصدمة عنيفة، قد تكون عواقبها سلبية وخيمة على الطري المبتدئ. سابعا: الكتب العنيفة الصادمة.. ميزة كتاب TEMOIGNAGES SUR LA GUERRE DE LIBERATION، يعطي صورة لبن نبي كيف تعامل مع القادة إبان الثورة الجزائرية، والإجحاف الذي مورس ضده، ومعارضة قادة الثورة لأفكاره ومحاربتهم إياه. و كيف تعامل المفكر مع قضايا الثورة وموقفه من السياسيين. وفي نفس السياق يندرج كتابه TEMOIGNAGES SUR LA GUERRE DE LIBERATION.. .. فيعرف من خلاله القارىء، لماذا بن نبي لم تطبع كتبه إلا بعد عقود من وفاته، وعلاقاته العنيفة مع أطراف مختلفة أحاطت به، وحاولت إستغلاله وجرها إلى ماتريد، ويعطي كذلك صورة عن الوضع في الجزائر، إبان الثورة الجزائرية، سواء في بداياتها أو نهاياتها. ثامنا: عليك ب"الصراع الفكري".. أوصي القارئ بقراء كتاب "الصراع الفكري"، في البداية والنهاية وأن يعيد قراءته مادام على قيد الحاة. فالكتاب يتطرق لفكرة الصراع الفكري، التي ظلّ بن نبي يتحدث عنها طيلة من حياته، وكيف مورست ضده من طرف الاستدمار الفرنسي، والساسة وعلماء الدين والأصحاب والأعداء، لأن حباة بن نبي كلها مبنية على الصراع الفكري. خلاصة.. هذه نصائح قدمناها للقارئ المبتدئ، ليحسن الاستفادة من قراءة مالك بن نبي، وليست بالضرورة أن يتقيد بها القارئ، فيمكنه الإضافة والحذف، حسب الكم والمستوى ودرجة الإقبال والرفض للكاتب وكتبه. [email protected]
