*(أردتُ أن أستعملَ على المسرح الجملة القائلة: ليس المهم تفسير العالم، بل تغييره... لاشك أن مقاومة الأيديولوجيات هي أيديولوجية جديدة... علينا الانطلاق من أشياء الحاضر السيئة، لا من أشياء الماضي الحسنة...) - بروتولت بريشت- ..(يا حليل) تلك الأيام المثقلة بأحلام تغيير العالم, كانوا ينظرون من وراء الكتاب, والايديولوجيات والمثل المبعثرة في البقع الساخنة من العالم, ويحلمون.. كانوا يرون العشب الأخضر في حدائق غيرهم أكثر خضرة ونضرة, ويحلمون.. وبالمقابل كنا ننظر من وراء المتاريس نفسها, لكننا نحلم بامتداد الذات إلي مسارب الوطن العربي كله, وكنا نرى عشب حديقتنا ليس كمثله في حدائق الآخرين .. حملوا أحلامهم وحملنا أحلامنا, إلي مقاعد الجامعة, ومقاهيها, ومنها إلي مقاهي المدينة ومنتدياتها.. وقولب الجميع أنفسهم على الرؤية (الشاملة), وساد الظن أنه ما ان تطأ أقدام تلك الرؤية أرضاً يباباً إلاَ وتحولت بفضل شموليتها وأحلام حامليها إلي فردوس ارضي غير مفقود. وفاجأ تلك الأحلام القصية في أعماق النفس هياج تغيير التغيير, أو رفض الرفض, أو الغاء الالغاء, فتاهت الرؤية بين حاضرها وماضيها.. أكان ذلك مجرد حلم ونقيضه هو اليقظة ؟ أم كان حقيقة وجاء نقيضه ليشكل غيبوبة حلم عتيق جديد؟! ما يطمئن النفوس الشاردة ان سيول الأحلام ما تزال تجتاح وان تغيرت مجاريها وان مظآنَها ما تزال, والحمد لله, بحراً من الظلمات. هي وقفة تأمل لنفس شاردة , تؤكد للذات ولمن حولها , وحول حولها , أن (عشب حديقتنا ليس كمثله في حدائق الآخرين خضرة ونضرة) وللذات مراكبها بها تقلع وليست من اولئك الذين يقلعون في غير مراكبهم (العشب الأخضر في حدائق غيرهم أكثر خضرة ونضرة). ثم هل يرى الفكر والفن والأدب ما حدث ويحدث؟ وهل سيلقي ذلك بظلاله عليهم؟ وبأية صورة يتمثلونه؟.. اتنتعش السوريالية مجدداً, ام ستندحر إلي الأبد على يد الواقعية؟ ايزداد تهويم الرمز في النص المكتوب وبالتالي يزداد البحث في الأبعاد وابعاد الأبعاد, ام ينتصر البعد الواحد الجلي؟ وإذا انتظر هذا أو ذاك هل سيعود إلينا عشقنا القديم للكتاب بعد ان حملنا الزمن همومه, وسرق منا بعطائه الفج, اتساع الرؤية, بديلاً؟ سلاماً أيتها الفلسفات التي في الذاكرة من المثالية إلي العقلانية, فالتجريبية, فالوجودية, فالمادية, ف.... المثالية؟ سلاماً ايتها المدارس الأدبية والفنية, سواء هاجرت القلوب إليك, أم هجرتك, أم هجرتها أنت. لقد ألف عقلنا وقلبنا ونفسنا وطناها, على تداخل العوالم, بعضها بالبعض الآخر من سوريالية وصوفية ورمزية ورومانسية ووجودية وواقعية ومثالية, لذلك لم يفاجئنا الهياج الكوني, وربما رأت النفس مرتسماته على خارطة الفكر والفن والأدب. وأعود للقول: نعم: لن اقلع عن ذاتي في مراكبي المبحرة, ومظان أحلامي الجديدة أفك رموزها حرفاً حرفا, لانعم بعشب حديقتنا إذ ليس كمثله , وحسب الذاكرة ان تختزن؟!.. آخر الكلام: لن تبقى الأفكار ما لم نحارب من أجلها.. د. نائِل اليعقوبابي [email protected]