بقلم: د.جمال بلال عوض الآن-فقط أظن, و بعد أن كتب الأصدقاء عن عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة من زوايا عدة, و تطابقت الأحكام في تقدير نضاله و تضحياته فكرياً و أدبياً, و منزلته بين رواد التنوير, ولم يكن هناك مناصاً من ذلك, فقد كان الوسيلة متعدد الجوانب, و تناول في حياته موضوعات شتي, و كان هو نفسه يكاد أن يكون خلاصة حياة جيله و عصره. سأقصر الحديث عن ناحية واحدة من نواحي الوسيلة وهي:(الوسيلة المترجم), وإذا كان الوسيلة بأنه قد عرف أكثر بأنه السياسي المرموق, المضحي من أجل شعبه, الذي لا يراه الناس إلا صنواً لنضاله السياسي-الطريق الذي إنتهجه باكراً- لكن الترجمة مع ذلك كانت في طليعة نواحيه المهمة الجديرة بالدرس و التقدير لان الترجمة تعتبر رائداُ أساسياً لنقل ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية بجميع إتجاهاتها إلي لغتنا حتي نستطيع شاعة الملائم منها لأكبر عدد من طالبي الدرس و راغبي المعرفة, و حتي يشتشعر المطلع عليها قيمة لغته و إمكانياتها في نقل التراث العلمي والأدبي والمعرفي من اللغات الحية مما يسهم بعد ذلك بأن نقيم مجتمعاً مثقفاً و مجتمعاً باحثاً و مجتمعاً دارساً و عالماً. إن إقتراحنا بإقامة ممهرجان لإحياء ذكري هذا القائد الوطني والمثقف العضوي الخالد إنما يكون مقدمة الأولي لإحتلال مقعده في الذاكرة الوطنية. صحيح و منذ فجر التاريخ فإن الأمم والشعوب المختلفة, تعرف حق عباقرتها وعظمائها عليها, أو تتنكر لهم و لا تفيهم حقهم إلا بعد الموت, و ربما لا تفيهم إطلاقاً. قد يمتد هذا التنكر أو التجاهل زماناً قليلاً أو كثير, و مرد ذلك إلي عوامل مختلفة: بعضها يتصل بالحياة السياسية, و بعضها الآخر ينشأ عن طبيعة المجتمع. الأمثلة كثيرة و نضرب مثلاً بسقراط الذي مات مسموماً بعد محاكمة معروفة وهو رأس فلاسفة الإغريق, لكننا اليوم لا نجد جامعة في الدنيا إلا و قد إتخذت من فلسفته مادة تدرس. وهذا أبو حيان التوحيدي, لم يذكره أحد من المؤرخين إلا بعد ثلاثة قرون من وفاته, واليوم يبحث الكثيرون عن كل حرف تركه هذا العبقري, و ينقبون في المكتبات عن أي أثر له. الوسيلة سيداتي سادتي جدير بالتكريم و لنبحث بجدية في تاريخه و آثاره التي تركها لإن إحياء ذكراه حق واجب له علينا.