حتى الطير يجيها جيعان من أطراف تقيها شبع..بلادى أنا .. رحمةٌ من الله واسعة تغشاك شاعرنا الكبير اسماعيل حسن.. هكذا وصفت بلادى فى زمانك يوم أن كانت تفيض خيراً يعُم أهلها وأنعامهم وطيوره ويُشبع طيوراً أخرى هاجرت إليه بحثاً عن ما تقتات به وفيه وجدت ما تبحث عنه ، رحمةٌ من الله تغشاك وقد تركتها عند رحيلك من هذه الفانية هكذا تأتيها الطيور فى مواسم هجرتها ومواقيتها المعلومة تأتى بمختلف أشكالها وألوانها من موطنها البعيد ، تقتات من أطراف تِقينا ومن داخلها وتشبع إلى حد التُخمة ثم تعود على أمل العودة فى مواسم أخرى قادمة.. لم نُحسن استقبالها بعدك ولم تعُد تِقِينا تُشبعُنا نحن أهلها.. بماذا نستضيفها تلك الطيور المُهاجرة إلينا وقد هلك الزرع وجفّت قنوات الرى التى يرتوى منها.. ذهبت تلك الطيور والتى تغنينا فرحاً بمقدمها وهى تحُل بيننا فى أمان ولم تعُد .. حتى الطيور التى آثرت البقاء بيننا ذهبت بعيداً تبحث عن قوتها فى مكانٍ غير هذا ، فقط بعضاً من الغربان وكثير من طائر البوم وقد حلّ مكاننا فى القرى والأرياف بعد أن طاب له المقام فى دورنا التى هجرناها يتكاثر فيها ويستمتع بهدوءها وسكونها ، صارت خراباً وهكذا البوم يُعجبُه الخراب.. هجرتنا الطيور ومالها هى والأرض اليباب ، وأرضُنا صارت يبابا.. أى مشروع (مروى) قائم (فى الواقع) تكتنز فيه الخيرات بربكم يُغرى طيور أستاذنا اسماعيل على العودة ثانية إلينا وقطع ألاف الأميال ، لا شئ يُغرى على الاطلاق .. جففناها دمرناها وما تبقى منها أصبح لا يكفى أصحابها ومن أرغمتهم الظروف على البقاء بالقرب من مشاريعهم تلك ، ربما ينصلح حالها فى يومٍ ما.. المشاريع المطرية الضخمة وما فيها من انتاج خرافى تدخره البلاد حتى موسمها القادم ، جفت هى الأخرى وغاب اًصحابها الأثرياء اجتاح الفقر بعضهم وغيبت السجون أكثرهم ، ارتفعت أسعار منتجاتهم من الذرة والسمسم وغيرها من المحاصيل ، هجروها بعضها أصبح مرتعاً خصباً للمتفلتين ومسرحاً لصراعاتهم ومأوى آمناً للهوام والحيوانات المتوحشة بعد أن صارت تلكم المشاريع الضخمة بلا ( تِقى) تجتمع حولها وتشبع من أطرافها الطيور المهاجرة ، المُنِتج منها الأن بالكاد يُلبى القليل من حاجة أهله ، جنوبنا الجميل الساحر الغنى بموارده الطبيعية انشطر منا ولم يعُد ملكنا ولا طيوره تخُصنا.. صراعات مستمرة ، حروب مُستعرة ، خلافات تمددت وتشعبت ، قبلية نائمة أيقظناها وليتنا لم نفعل ، الكل يلهث بحثاً عن السلطة ، ضيعنا ثرواتنا ووقتنا فى اللاشئ ، قل الانتاج وزاد الاستهلاك وما يُؤسف له أنّا أصبحنا نستهلك ما ينتجه الغير .. وحتى الطير يجيها جيعان من أطراف تقيها شِبع ..بلادى أنا.. بلا أقنعة.. صحيفة الجريدة... [email protected]