صباح أمس صدمت من منظر الشوارع بمحلية كرري.. مطرة واحدة عطلت العمل واوقفت الحركة.. توقفت معظم تراحيل الطلبة ليوم أمس فخرجت لتوصيل أبنائنا.. حالة غضب شديدة إنتابتني وأنا أبحث عن مخرج ومدخل للعربة داخل الثورة الحارة العاشرة وحي الرياض ومدينة النيل حيث مدارس الاولاد.. وهذه المرة الغضب لم يكن من الحكومة فهذه (قنعنا من خيراً فيها) غضبي كان من المواطنين سكان هذه الأحياء.. المثل البلدي يقول (الجمرة بتحرق الواطيها) وما يحدثه الخريف داخل هذه الأحياء كل عام يدفع ثمنه السكان من راحتهم والأخطار التي يتعرض لها أبنائهم.. لو إقتطع كل فرد مبلغ عشر الذي سيدفعه لو تعرض ابنه او عربته او بيته لكارثة سيتم ردم هذه الشوارع بل يمكن سفلتتها وسيتم إزالة النفايات والأتربة من الخيران الرئيسية..! أين اللجان الشعبية التي يقع علي عاتقها هذا النوع من الأعمال وقيادة الإصلاح في هذه الأحياء.. بعد تسييس هذه اللجان إقتصر عملها على النشاط السياسي فقط وتركت أمر إدارة شؤون هذه الأحياء للإحساس الفردي.. والمواطنين اصبحوا لا حول ولا قوة لهم.. في سنين ماضية(ايام كان السودان بخيره) كانت مجالس الاحياء تقوم بانشطة ضخمة فيما يختص بالطرق والإنارة والنظافة بل حتى الجوانب الإجتماعية وضبط الاحياء وتسويرها بلوائح تحفظ حرمتها إذا فشلت هذه اللجان في القيام بواجباتها هل هذا مدعاة لترك هذه الأحياء تبدو كالأشباح بعد مغيب الشمس دون أي إنارة وتركها فريسة سهلة للامطار والنفايات واللصوص.. وهل توفير مبالغ صغيرة(على مدار العام) لردم الشوارع وتجهيز المصارف يصعب على كل مواطن سيستمتع باجواء خريفية صحية بلا مياه راكدة.. أيهما افضل أن تتكاتف الجهود الشعبية من أجل حياة كريمة صحية ممتعة.. ام إنتظار الحكومة التي طال وسيطول اجلها حتي توفر هذه الخدمات..؟؟ كتبت اكثر من مرة خلال الفترة الماضية عن ضرورة عودة الجهد الشعبي والإعتماد على الذات بعيداً عن الحكومة حتى يفتي الله في امرها.. الطفل(اليتيم) الذي يفتقد إلى اي نوع من القرابات يعتمد علي نفسه في توفير مسكنه ومأكله وملبسه بأي صورة من الصور حتى يستطيع مواصلة الحياة.. والشعب السوداني تيتّم من ربع قرن من الزمان ولكنه لا يزال في طور الصدمة التي لم يستطع تجاوزها حتى الآن.. لذلك تاه شبابنا في دروب المخدرات وخمل رجالنا وضلّت بعض بناتنا الطريق وادمنا العيش في الظلمة ووسط النفايات بصورة تغيب عنها الكثير من الجوانب الإنسانية.. هذا الشعب الذي ما كان يرضى ان تنتقص آدميته وكان بمرؤءة ونخوة(ترسوا بها البحر وصددوه).. اليوم يغرق (في شبر موية)..! إذا فشلنا في تغيير المشهد بأكمله على الأقل نشتري إنسانيتنا وكرامتنا بمالنا.. نحن نشتري كل شئ.. ندفع للحكومة مقابل كل خدمتنا ونتلقى منها اليسير الذي لا يسد حاجتنا ويحفظ كراماتنا.. لماذا لا نوجه أموال هذه الخدمات التي لاتنفذها الحكومة للخدمات مباشرة.. أي ننفذها بأنفسنا وبذات المال دون وسيط (فاشل) ولو إستطاع الحزب الحاكم أن يجعل من كل الوطن سجناً كبيراً لنسجن فيه برضاء لأننا حينها نكون قد حفظنا آدميتنا. الجريدة