تسمرت اعيني في ذاك المساء على شاشة الهاتف ..كدت العن (الواتساب ) الذي لا يغادر خبرا صغيرا او كبيرا الا احاط به تفصيلا..كانت صورة الاستاذ عثمان ميرغني مضرج في دمائه تثير حزني وخوفي وغضبي..كنت على بعد عشرة الف كيلو مترا في النصف الاخر من الدنيا..حينما تتواري الشمس في المشارق تشرق هنا فيما وراء المحيط الصاخب..لكن لماذا أرادوا ان يقتلوا استاذي في شهر رمضان المعظم..حزمت أمتعتي وقررت ان اعود في هذه اللحظات الفاصلة..مع مرور كل ساعة كانت الاقدار تبدي لطفا..اخيراً ايقنت ان الاستاذ بخير و قد طاشت السهام ..كان ذلك الحدث واحدا من الابتلاءات التي تتعرض لها الصحافة في بلادي. علاقتي الشخصية بالأستاذ عثمان ميرغني تعود لنحو عشر سنوات خلون..قبل ذلك كنت اعرفه كقاري وصحافي في اول عتبات السلم..من الصعوبة ان تحاور صحافيا..خضت المغامرة وتسللت عبر الهاتف الى مقر اقامة عثمان ميرغني في احد فنادق نيويورك التي جاءها زائرا..تحدثت معه في كل شيء من الشأن الصحفي الى الشأن العام..رغم ان الحوار تم بالهاتف الى انني احسست بقدرة ضيفي على خلق اجواء من الحميمية مع الاخر..كان انطباعي ان حدة كلمات عثمان لا تتطابق مع طبعه الرقيق. حينما عدت الى اهلي في نهاية عام 2009 كان عثمان ميرغني ودكتور البوني وثلة من الاخيار يبتدرون التيار كأحد مشاريع التنوير..لم تكن البداية سهلة..بل اكتنفها مخاض عسير وصعوبات جمة..شهدت التجربة والتيار لم تبلغ الخمسين عددا..منذ اليوم الاول وجدت نفسي صاحب حق في هذا المشروع..السبب ان رئيس التحرير كان يحتفي بكل مبادرة مهما كانت صغيرة..يضيف لكل فكرة ابعاد جديدة..حينما تخرج المادة لتعانق اعين القراء ينزوي عثمان بعيدا ويترك للصحفي وحده تذوق حلاوة النجاح. صفة اخرى عرفتها في أستاذ عثمان ميرغني من خلال رفقة العمل الطويلة ..يتحمل كل التبعات الناتجة عن العمل الصحفي.. شارع الصحافة الذي كنت اشرف على تحريره كان دائماً يجلب لنا المتاعب ويقودنا الى سوح المحاكم..في كل جولة قانونية كان عثمان يتحمل المسئولية وحده..ذات مرة اصر احد الزملاء الأعزاء ان يزج باسمي في دعوى رفعها ضد شارع الصحافة ولكن عثمان ميرغني تحمل المسئولية لوحده حتى انتهت القضية بالصلح والاعتذار. قبل يومين قررت ان أغادر التيار بعد ان انتهى عقدي السنوي..لم يكن هنالك سبب سوى قلق الصحفي المفضي الى البحث عن تجاريب مختلفة..كانت امامي عروض من عدة صحف..لم تكن الصعوبة في الاختيار بقدر ما في الوداع ..كيف أفارق عثمان وإخوته ..ماذا أقول لاحمد عمر وخالد فتحي وهيثم موسى في سكرتارية التحرير.. هل أقوى ان قول لقراء التيار وداعا ..حينما صعبت المهمة اخترت الانصراف دون ضجيج وبلا استئذان. لأنني اعرف عثمان جيدا اخترت ان أقول له وداعا من نافذة اخر لحظة التي اعرفها وتعرفني..أظنك الان تبتسم استاذي عثمان ميرغني من حيلة هذا التلميذ المشاغب. (اخر لحظة) [email protected]