كنت أحسب مخطئا أن ظاهرة الموظفين البعاعيت قد انقضت وتم القضاء المبرم عليها منذ اكتشافها قبل عدة سنين ،كان ذلك في العام ( 2002 ) حين أعلن عنها رسميا لأول مرة ، والله أعلم فربما كان تاريخها أقدم من هذا بكثير، ولكن خاب ظني اذ لم يمض سوى وقت قليل على ذلك الاكتشاف ، اذا بالمراجع العام يكشف عن أجور شهرية ومخصصات وامتيازات وظيفية ظلت تصرف بأسماء شهداء كانوا موظفين بالخدمة المدنية، ليس ذلك فحسب بل ويترقون الى الدرجات الاعلى، ويحصلون للعجب العجاب حتى على بدل الوجبة وبدل الترحيل ومكافآت أخرى نظير أعمال اضافية أدوها، هذا إضافة لمن لا يظهرون في مواقع العمل إلا مع ميقات صرف المرتبات، يضعونها في جيوبهم ويديرون ظهرهم لموقع العمل الذي لا يعودون له إلا عند ( الصرفة ) القادمة، وأيضاً أولئك الذين لم يغادروا الوظيفة وحدها بل غادروا البلد بأكملها، تجد أسماءهم حاضرة في كشف المرتبات رغم غيابهم، بل وأحياناً يتصدرون كشف التنقلات رغم أن هذا ( المنقول ) قد يكون في تلك الآونة يستمتع بأسعد اللحظات في واشنطون دي سي أو خميس مشيط ... ولكن للأسف كل ما نحاول أن نحسن الظن بضبط الخدمة المدنية وانضباطها نجدها قد فاقت سؤ الظن العريض ، فرغم كل الضبطيات التي وضعت يدها على هذه ( العضات والبلعات والكجمات ) الا أن هؤلاء العضاضين والبلاعين مازالوا يزاولون النهب بكل جرأة ووقاحة ليس في الخرطوم وحدها بل في الولايات ايضا ، فها هي ولاية الجزيرة تعلن بالامس عن استمرار ظاهرة صرف مرتبات الموتى ، وتكشف عن وجود هؤلاء البعاعيت موديل القرن الواحد والعشرين بين ظهرانيها أحياء يرزقون ، يصرفون مرتباتهم وعلاواتهم وبدلاتهم وأية امتيازات اخرى يحصلون عليها بحكم مخصصات الوظيفة، بل ويترقون الى الدرجات الاعلى ويسافرون في المأموريات الداخلية والخارجية، ومن بينهم شهداء كانوا قد قاتلوا في حرب الجنوب أو غيرها واستشهدوا في الحرب، ، المؤسي والمؤلم أن هذا الفساد المالي والإداري يحدث في ظل عطالة فاشية بين الشباب والخريجين الذين من يجد منهم ركشة يعمل سائقاً عليها يعتبر ذلك رزقاً ساقه الله اليه، بينما العديد من الوظائف يشغلها الموتى والمهاجرون ومن استمرأوا حياة العطالة المقنعة وهم الموظفون الذين لا يؤدون أى عمل ويصرفون المرتبات على عدم الأداء... وما أصدق على هذا الحال من قول تلك البعاتية مغنية التُم تُم التي ما إن عادت الى الحياة بعد دفنها، حتى إحتقبت دلوكتها وأصبحت تطوف ليلاً وهى تغني ( دفنونا في الحجّار ونبلنا نبل الفار ) ... [email protected]