بقلم: خليل الياس اتيحت لي الفرصة، فحظيت بلقاء "الوسيلة"، ذلك الانسان العظيم وانا منقطع في طريقي الي بورتسودان لزيارة شقيقي المرحوم الهادي الياس، وقد شاءت المصادفة ان كان "الوسيلة" ضمن ركاب الدرجة الثانية في القطار المتوجهة من الخرطوم الي بورتسودان. لقد سُرَّ "الوسيلة" ايما سرور حينما علم بانني من منسوبي رابطة الطلاب الشيوعيين (رطش)، فضلاً عن ان شقيقي الياس كان صديقاً له وكان مولع بالغناء والعزف علي آلة العود مثلما كان "الوسيلة". في معيته كانت الرحلة ممتعة بحق تخللتها احاديث ادبية ولغوية وسيما موضوع الاشعار بالفصحي الذي كان مطروقاً باتساع تلك الايام وايضاً الشعر الغنائي. استمع "الوسيلة" الي اشعاري باهتمام بالغ.. وتشعب الحديث عن الترجمة وضرورات الاهتمام بها، والموسيقي واهمية غرس الاهتمام بها عند الاطفال في مرحلة التعليم قبل المدرسي. "الوسيلة" اديب كبير من ابناء جيله المرموقين، عاش حياة قصيرة حافلة بالاحداث السياسية والفكرية، وله آثار باقية في كثير من صحف ذلك الزمان (الصراحة، الجهاد، الميدان ومجلة الحياة) كما كانت له اراء حكيمة عليمة، ونوادر تدل علي خبرة بالحياة والناس، وفكر متفتح غني، وذكاء وقاد ونشاط متعدد متنوع ساعده في ذلك تنقله في مدن السودان المختلفة مما اكسبه سعة في التجارب والمعرفة. تلقي الوسيلة ثقافته الاولي في امدرمان لتتطور افكاره اذ كانت مدينته زاخرة بمختلف الثقافات وخاصة التنوع في الاداب والفنون والفلسفة (الماركسية علي وجه الخصوص). تعمق الوسيلة في اللغات مما افاده كثيراً فضلاً عن كثير من ارائه تدل علي اطلاع واسع، كما كان لاتساع رقعة الثقافة ووفرة ثروتها في امدرمان وغيرها من المدن وخاصة بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، ثم انتشار تعاليم الفكر الاشتراكي بعد بزوغ نجم الاتحاد السوفيتي اثر الانتصار علي النازية، اثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها السودان من قبل. ومن العوامل التي ساعدت علي ذلك، اهتمام الشيوعيين: عبدالخالق محجوب والوسيلة والجنيد علي عمر ومحمد عمر بشير بالاضافة الي هنري رياض وفتح الله رياض وغيرهم كثر، بنقل الكتب من اللغة الانجليزية الي اللغة العربية، حتي اضحي المسرح شبيهاً بالعصر العباسي علي ايام حكم الخليفة المامون ابن الرشيد. كان من اشهر المترجمين في عهد المامون عبدالله بن المقفع وحنين بن اسحق، والاخير كان يجيد 4 لغات مثلما كان ذلك عند "الوسيلة" الذي اتقن اللغات: العربية، الانجليزية، الايطالية، الفرنسية وربما الالمانية.