ما صعد والي الخرطوم الجنرال عبدالرحيم منبراً إلا وابتدر حديثه عن فقر الولاية ونضوب مواردها، وما أدلى بتصريح حول أي موضوع إلا واستهله بقوله أنه وجد الولاية (اباطها والنجم وعدمانة نفاخ النار من الموارد)، وله في ذلك مقولة شهيرة (الحتات كلها باعوها)، إذ لم يترك له الولاة السابقون (حتة فاضية) ليبيعها، فقد قضوا على أخضر الأراضي ويابسها، بل حتى المباني رهنوها للبنوك، ولا ندري كم من تلك (الحتات) التي بيعت دخل عائده خزانة الولاية وتم صرفه على الخدمات والمشروعات، وكم منها ذهب إلى الجيوب (قضية التحلل مثالاً)، ومن كثرة ما ردد الوالي عبارته تلك حتى ظننا أنه سيورث الولاية الفقر، وله الحق في الذي ذهب إليه، فهو وعلى امتداد محطات استوزاره لم يشغل غير وزارات السيادة من لدن رئاسة الجمهورية مروراً بالداخلية وانتهاءً بوزارة الدفاع، وهي الوزارات التي لا يغشاها الفقر، وكانت تذهب بدثور الموازنة ولا تترك للبقية سوى الفتات والقشور (الصحة والتعليم مثالاً)، وكنت كلما أتى الوالي على ذكر فقر الولاية أتذكر ولا أدري لماذا مقطعاً من الأغنية التي تغنى بها ثنائي النغم، وقيل أن زنقار هو من سبق بأدائها والذي يقول (هوي يا ليلى هوي.. ببكي وبهاتي من المحطة ولي فريق القطاطي)، ربما بجامع الشكوى بين الوالي والشاعر، الأول بسبب فقر الولاية والآخر بسبب هجر الحبيب وصدوده... لولا شكوى الوالي الجديد المستمرة ما كنا نظن أن ولاية الخرطوم فقيرة إلى هذا الحد، بل كنا نظنها غنية ومنغنغة بدلالة أرتال الجبايات والمكوس والرسوم والضرائب التي تجبيها حتى من أطفال الدرداقات، أما وقد كشف لنا الآن واليها الجديد فقرها وهوانها على الحكومة الأم، حق لنا أن نسأل أولاً عن الأسباب التي أدت إلى هذا الفقر، هكذا يقضي المنطق أن تتعرف أولاً على علة هذا الفقر ومسبباته لتسعى من ثم لإزالته أو على الأقل تخفيف حدته، وهذا يتطلب قبل كل شيء الإجابة على السؤال المحوري والمركزي (ما الذي أفقر الولاية؟)، أنا شخصياً أملك جزءاً يسيراً جداً جداً من الإجابة، ويقيني أن عدداً غير قليل من المشاريع (الكدبلاص والمواسير) قد استنزفت وأهدرت أموالاً طائلة بلا طائل ولا جدوى، نذكر منها على سبيل المثال (مواقف المواصلات السكة حديد، شروني، كركر وقرقر، مين قرقر دا لعله من كان يقرقر بعد أن يضع أموال إنشاء هذه المواقف داخل جيبه)، وعلة هذه المواقف أن الواحد منها كان ينشأ اليوم ويصرف عليه ما يصرف وفجأة يتم الاستغناء عنه، وهناك بصات الوالي وما أدراك ما هي (لا أرضاً قطعت ولا ظهراً حملت)، ذهبت هي إلى حيث لا يدري الناس وبقيت مشكلة المواصلات كما هي، وعلى ذلك قس بقية المشروعات الفاشلة من مثل هذه الشاكلة... [email protected]