ربما كان علي الاقتصاديين أن يعيدوا النظر في مهنة بائعة الشاي،واخراجها من دائرة القطاع غير المنظم أو الهامشي،لتحتل موقعها وسط دورة الإنتاج الحقيقي،كمحرك لعجلة الإنتاج،وداعم للإقتصاد الوطني. ولا نقول هذا الكلام من واقع التعاطف أو الخيال،بل من الواقع المعاش وما يحدث في يوم العمل الطويل لست الشاي والذي لا يقل عن 16 ساعة . أنظر إلي ما يفعله كانون الفحم أو أنبوبة الغاز(زنة 5 كيلو)،والكفتيرة ،وتلك المنضدة الحديدية التي ترص فوقها الكبابي،وعلب النعناع والحبهان،والزنجبيل وخلافها،لتري إدارة نوعية لعمل فردي،لا يستغل أحداً ولا يشتري قوة عمل بثمن بخس،ولا يمت للأعمال الطفيلية وصنوف الإحتيال والسمسرة والاستهبال التي تعج بها بلادنا في ظل حكم الإسلام السياسي الرجعي. ست الشاي،وفي سياق عملها-بعرق جبينها-يغشاها أولاد في عمر المدارس،دفعتهم الحرب أو عدم مجانية التعليم أو الفقر ،للعمل المبكر ،يشترون النعناع من السوق،ويغسلونه،ويوزعونه في أكياس صغيرة أنيقة،ثم يبيعونه لستات الشاي،وهذه الدورة تعود بالفائدة علي مزارعي النعناع،طالما كان الطلب عليه مستمراً،وعلي سلسلة موزعيه. وست الشاي،تدعم إيرادات هيئة الغابات،طالما كانت تستخدم الفحم المنتج من غابات حطب الحريق،وهي مصدر مالي هام من مصادر إيرادات الهيئة المذكورة،كما ينشط عملها سوق غاز البوتجاز فتعود بالفائدة علي شركات توزيع البترول ومن ثم وزارة النفط. ويأتي لستات الشاي،جنوب الساحة الخضراء بالمساء ،كارو يجره حصان،محملاً بألواح الثلج،التي يوزعها شاب أنيق،علي أكياس بيضاء نظيفة،بأحجام مختلفة،يناولهن الثلج،وينتظر الدفع بعد انتهاء يوم العمل،وبالتالي فإن ستات الشاي يحركن طاقات مصانع الثلج،ويوفرن العيش الكريم لسيد الكارو وهو موزع الثلج،كما يمتد تأثيرهن الإقتصادي لمزارعي البرسيم،طالما كان الحصان في دورة ست الشاي الاقتصادية. أما الذين يشربون الشاي والقهوة،لدي ستات الشاي،فهم يشبعون حاجتهم من هذه السلع بأفضل ما يكون،وبناء علي مواصفاتهم المطلوبة(سكر تقيل،سكر خفيف،بالنعناع،بالزنجبيل،بالقرفة)،ويدفعون لقاء ذلك ثمناً زهيداً مقارنة بالشاي في الفنادق والكافتريات خمس نجوم. وغير ما ذكرنا،فإن ست الشاي نفسها،تحرك قطاع النقل،وخصوصاً الرقشات،في ترحالها من بيتها الكائن في أقصي المنافي،إلي حيث مكان عملها،ومدخلات إنتاجها كالبن والشاي والكركدي وخلافه،تعود بالفائدة علي شركات الشاي والبن،ومزارعي الكركدي،وهم بدورهم يدفعون الضرائب للحكومة من خلال ما يبيعونه لستات الشاي. إن ست الشاي،التي تطاردها المحليات،والشرطة،وتجتمع (عشان خاطرها)اللجان الأمنية في الولايات،تدير عملها ونشاطها الاقتصادي بأفضل مما يدير وزير المالية والاقتصاد الوطني شؤون الاقتصاد السوداني،فالسياسة الاقتصادية الحكومية تهدم الاقتصاد،بينما مهنة بيع الشاي،تحرك عجلة الاقتصاد،وتخفف من حجم البطالة،وتزيد الطلب الكلي في آخر المطاف،وتضيف الكثير للناتج المحلي الإجمالي بناء علي المعطيات أعلاه. لماذا يطارد السدنة ست الشاي،وينهزرونها،ويفرضون عليها الغرامات،ويبهدلونها؟؟!! لأنهم من ناحية أيدولوجية يعادون المرأة التي خلقت من ضلع الرجل كما يقولون،وناقصة العقل والدين،كما يعتقدون،ولأن من يشربون الشاي عندها يتحدثون عن الفساد في مكتب الوزير ،وعن الثورة والتغيير،تحياتي وتقديري لستات الشاي،من سوق نمرة 2 إلي أسواق مروي والقرير. [email protected]