الصور التي نشكلها لأشياء نجهلها تتكون من مجرد خيال تتحكم فيه رغباتنا في الشكل الذي يجب أن يكون ولأننا كسودانيين "أغلبنا" نجهل إفريقيا لذلك غالباً ما نرسم لها صوراً علي أننا نتقدمها لدرجة أننا نضع صورة مكبرة تصور السودان علي أنه البلد الأكثر وعياً وثقافةً بين شعوب هذه القارة وأننا أفضل من يغني وأفضل من يسمع وأفضل من يتذوق ببساطة لأننا نجهل إفريقيا ولا نعرف عنها الكثير . قبل أكثر من عام تساءلت عبر صفحتي علي الفيسبوك عن الكيفية التي اختير بها محمد وردي فنانا لإفريقيا وأذكر أن الصحفي والكاتب العميق خالد عويس وضح أن لقب فنان إفريقيا هو لقب دوري حيث يتم اختيار فنان أفريقي لهذا اللقب بشكل دوري وضرب أمثلة لفنانين تم اختيارهم كفناني إفريقيا قبل وبعد محمد وردي . لكن أغلب المتداخلين استنكروا أن يكون في إفريقيا فنان أخر بقامة وردي وحاول البعض أن يثبتوا أن محمد وردي هو فنان إفريقيا الأبدي الأوحد. و السؤال الذي يفرض نفسه هو: وهل ينتقص من قدر فنان أن يكون هنالك فنان أخر لا يقل عنه إبداعا وانتشارا ؟ وهل ينتقص اختيار المالي "سالف كيتا" أو السنغالي "يوسوندور" فنانا لإفريقيا بعد أو قبل "وردي" هل ينتقص ذلك من قدر "محمد وردي"؟ وفي اعتقادي أن وردي فنان عظيم له إسهاماته الواضحة في تاريخ الغناء السوداني كما أن لمبدعين أفارقة إسهاماتهم الواضحة في حركة الغناء في بلادهم وكما أن في السودان محمد وردي هنالك عشرات المبدعين في إفريقيا يستحقون لقب فنان إفريقيا (الدوري). لكن المعضلة أننا نجهل إفريقيا ولا نعرف عنها الكثير بل ولسنا من المتحمسين لمعرفة فنها وثقافتها لأسباب عديدة لسنا بصدد الحديث عنها هنا, لكن ما هو مهم الآن أننا لا يمكن أن نحكم أن محمد وردي هو أفضل فنان إفريقي ونحن لا نعرف إلا القليل عن فناني إفريقيا الآخرين. إن أفريقيا مليئة بمبدعين استطاعوا أن يخلدوا أسمائهم بمداد من نور وجهلنا بهم لا يعني عدم وجودهم بالطبع. ما أود أن أقوله أن إفريقيا قارة عظيمة و مليئة بالمبدعين وان جهلنا بإفريقيا يجب أن يكون إيجابيا ومحرضا لنا لاكتشافها ومعرفتها ويحب أن يكون محفزاً لكي نستمع إلي أغاني الهضبة ونتعرف أكثر علي " تيدي افرو " ثم نتجه إلي السنغال لنسافر مع الحان " يوسوندور" الذي يكاد أن يكون عنصراً هاماً في مهرجانات أوربا الغنائية ثم هنالك علي نهر النيجر لنسترخي لجيتار " علي فركا وسالف كيتا " و"علي فركا وسالف كيتا "لمن لا يعرفهما هما أكثر الوجوه الإفريقية انتشاراً في الغرب وعندما يٌعلن عن حفل لسالف كيتا في لندن او تورنتو أو واشنطن أو باريس فلن تجد تذكرة إن لم تحرص علي اقتنائها قبل أسابيع أو حتى شهور لأن جمهور سالف كيتا ليس من الماليين وحدهم بل وليس من الافارقة وحدهم فله جمهور لا يعرف الجغرافيا فهو فنان عالمي يغني في أعظم واكبر المهرجانات والمسارح العالمية كما كان صديقه "علي فركه" قبل رحيله. إن أفريقيا أعظم من أن نتناول سيرة مبدعيها في عمود أو حتى سلسلة مقالات فمن أراد أن يكتشف أفريقيا فهي أمامه ومن أراد أن يصدق كذبة أننا أفضلهم وأن "وردينا" أولهم فله ما يريد. [email protected]