عدد من المبادرات قدمت لحكومة المؤتمر الوطني منذ وصولها للحكم من قبل عدد من الجهات والشخصيات تحمل رؤى مختلفة للخروج بالسودان من أزمة الحكم التي وقع فيها بمجيئها هي وبهدوء ودون أن يتعرض السودان لهزة تفقده توازنه مثل دول الربيع، ولكن كل تلك المبادرات لم تعجب الحكومة ولم تبارك أي منها لأنها تطلب منها التنازل عن مصلحتها لصالح الوطن الذي اتعبته وأرهقته سياساتها المعتلة، ولكن إدمان السلطة جعلها حكومة لا ترى غير مصلحتها التي أصبحت خط أحمر تدافع عنها بشتى الطرق وهذه واحدة من عللها الخطيرة. آخر هذه المبادرات قدمها مجموعة من الشخصيات المعروفة، بعض منهم قامة من قامات هذا الوطن الشرفاء الذين لا غبار عليهم، وبعض آخر كان جزءاً من هذه الحكومة شاركوا فيها منذ وصولها وظلوا معها حتى وقت قريب، وبعض آخر كانوا في أنظمة سابقة، الحكومة رفضت المبادرة واعتبرتها بمثابة صب مزيد من الزيت على النار، وترسل رسائل سالبة عن أوضاع البلاد وتشوِّه صورتها، فهي لا ترى نفسها مشوَّهة مع أنها وصلت حد البشاعة وهذه علة أخرى . لجنة 7+7 أيضاً رفضت المبادرة وهاجمتها، رد المؤتمر الوطني كان متوقعاً فهو القابض على السلطة ويرفض فكرة التنازل من أي جهة وحتى من نفسه فهو يخاف عاقبة الفطام، ولكن ما بال لجنة7+7 فهل هي متآمرة مع الحكومة وستمنحها حق السمسرة في حوار يمضي عمره إلى السنة الثالثة، حين ينتهي على ما تريد الحكومة أم أنها تخاف أن تخطف منها الأضواء وتفقد فرصتها في السمسرة. رغم ذلك رموز المبادرة بدأوا بتسويقها داخلياً وخارجياً مع أنهم سمعوا كل هذه الردود وكأنهم لا يعرفون عقلية هذه الحكومة التي لن تقبل أي مبادرة ولو بصم عليها كل العالم بالعشرة، فالمشكلة ليست في المبادرات ولا من جاء بها، ولكن في المؤتمر الوطني نفسه فهو لم يعد مجرد حزب سياسي يحكم البلد بقبضة من حديد، بل أصبح مجموعات ترتبط بمصالح وتحمي بعضها البعض حتى ولو على حسب الشعب. الحكومة أصبحت تقف ضد التغيير وتخافه في الوعي واللاوعي وهذا يجعل الحديث عن حل أزمة السودان بمبادرات أو بأي شكل آخر يجعل الحكومة تتنازل كلياً أو جزئياً فوراً أو مرحلياً أمر مرعب ولن تقبله حتى وأن كانت هي جزء من التحول والتغيير، لأنه سيمسها بأي شكل لا محالة وهذا ما لا تريده، رسالة الحكومة من كل ذلك واضحة وهي أنها لن تترك السلطة إلا على جثتها، فلماذا لا يفهم أهل المبادرات هذا. خلاصة القول الحكومة تعاني من جملة إضرابات تجعلها ترى مصلحتها فوق الجميع، وترى نفسها أجمل حكومة في العالم، ولديها فوبيا من التغيير الذي لا تريد أن تستعد له بمساعدة نفسها أو بمساعدة من الآخرين وعليه لابد لأصحاب المبادرات والدعوة إلى التحول السلمي أن يبحثوا عن حل آخر يتناسب مع طبيعة الحكومة التي أصبحت لا تسمع لأحد وتعتبر نفسها فوق الجميع وكأن السودان ملك لها وحدها.