رمضان زجاجة عطر تمتد إليها يد الرحمن في وقتها فترش منها رشّةً على أرواحنا فتنعشها، وتسقط عنها كل الأحمال التى ترهقها في رحلتها مع الزمن، هي رشّةٌ تجعلنا نسير خِفافًا كما ولو أننا أرواح عصافير بيضاء تتغني بأجمل ألحان الخير والجمال الذي انفطرت عليه نفوسنا، بل هي تجعلنا نسبح في فضاء الروح كما ولو أننا سحب بيضاء تهطل بأمطار الجود، والكرم، والمسامحة على فيافي القلوب الحزينة، حتى حينما نبتهل بالدعاء ننسى أنفسنا ونقفز مع أمنياتنا حاجزَ الأنا ونفكر في كل جائع وكل فقير وكل عاري الجسد، بل في كل خائف وموجوع ونتمنى أن نطير كما الملائكة نمسح عن القلوب أوجاعها، وعن البطون جوعها، وعن النفوس خوفها، ونعيدها لبرها الآمن مع الله... ما اقترب رمضان إلا وتذكرت نهايته، حين أصحو كل يوم بخاطر كسير وقلب مفطور بفراق مَّا، ولمّا أبحث عن سبب ذلك أعرف أنه فراق رمضان... قرب انتهاء رشة العطر... تلك التي تُحيلنا إلى ملائكة نطير مع السحب البيضاء ونزقزق كما لو كنا عصافير، وأظل أتسال ماذا لو بقي معنا هذا الشعور أبد الدهر؟ رمضان سيأتي قريبا طاعة لله ورسوله، وسنفارقه طاعة لله ورسوله أيضا، غير أننا نستطيع إبقاء رشة العطر معنا إلى الأبد ... رشة ستحملها لنا يد الذين نحبهم كل يوم ... رمضان يأتي ليقول لنا أن نفوسنا لا تعرف المستحيل في فضاءات الحب و الخير والجمال .. وإنها مفتوحة على إمكانيات لا نهائية من الإيثار وحب الخير وصناعة الجمال، كما لها القدرة على تخطي حاجز الأنا حتى في الأمنيات .. تعالوا ونحن نستقبل رشّة عطر جديدة من رمضان نُحْيِ إرادتنا الخيّرة ، لنُبقي عطرنا الإلهي معنا من أول رشة إلى أخر الدهر، تعالوا نجعل في دعواتنا النصيب الأوفر منها لغيرنا ، ونجعل في أمنياتنا النصيب الأجمل منها لمن نحب، تعالوا نفكِّرْ في كل يوم لنصحو فيه ونكون جنودا للخير نستبسل في حماية الآخرين من الجوع، ومن الفقر، ومن المرض، لنكون حراسا حقيقيين للفرح في قلوب الآخرين، ونفتح الأبواب على مصراعيها لتهب علينا رياح الحب لم يجعلنا الله ملائكة، ولكن أراد لنا أن نصارع الشر بصدق واستبسال، و أن نكون وبكل بساطة أخوة .. تقبل الله منكم الحب والطاعات. [email protected]