والثقافة كائن يستمد صيرورته من كم التحولات التي تضرب جسد الثابت وتلك التحولات هي الحقيقة التي يجب أن نؤمن بضرورتها لكي تستمر الحياة فإن كان الحاضر ابن الماضي فذلك لا يعني أن يكون الغد حفيد الماضي الملتزم بارثه ، فلا ثابت في هذا الكون إلا التغيير. والتغيير بأشكاله وانماطه ومضامينه المختلفة هو الذي يدفع عجلة البشرية في طريق التقدم اللامشروط واللامٌاطر ببراويز الماضي. ف الثورات السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية التي غيرت الأنماط الحياتية للشعوب هي احدي مظاهر التغيير التي خلقت تحولا حقيقيا انعكس علي مجمل التفاصيل الحياتية للشعوب . والفنون باشكلها المختلفة ليست بمنعزل عن تلك التحولات وهي الاخري بحاجة ماسة للانصهار في عملية التغيير الشامل وذلك ما يجب ان يستوعبه عبدة الماضي و حراس الثقافة الديناصورية في السودان. فبفضل هؤلاء نحن اصبحنا شعب ماضوي بجدارة شعب مولع بالماضي و مسجون فيه لدرجة اننا اصبحنا نعيش واقعنا بعقلية الماضي فعندما نتحدث عن أمجادنا نجد أنفسنا نجتر الماضي ونصدق حتي اكاذيبه لا حبا فيه بل هروبا من الحاضر وخوفا من القادم . عندما اتابع إهتمام السودانيين البالغ ببرنامج ( اغاني وأغاني ) اتيقن أكثر بأننا شعب مسجون في ماضيه شعب لا يعجبه الا ما حمل ختم الماضي وتوغل فيه . أن فكرة البرنامج تقوم علي إعادة إنتاج المنتج الغنائي دون أي إضافة تذكر وتقوم علي أن يجتر مقدم البرنامج ذكرياته وحكاويه حول الاغاني ثم يطلب من المغنين أن يتغنوا بها ليعيش في ماضيه وينطرب . هذا كل مافي الأمر .فكيف لبرنامج يعيد إنتاج الماضي ان يصبح أكثر برنامج غنائي مشاهدة في فضائياتنا ؟ وماهي القيمة الفنية التي يقدمها البرنامج اذا اصطحبنا أن نصف البرامج الغنائية ب الفضائيات لا تمارس إلا ذات النهج بتقديم المغنين الشباب لاعمال تعود لجيل آبائهم أو اجدادهم . اتفهم تماما ذلك الحنين الذي يربطنا باغنيات الماضي واستوعب انتماء الناس لموسيقى خالدة في اعماقهم لكن ذلك يجب أن لا يسلب الأجيال القادمة قدرتها علي الابتكار ويجب أن نتوقف من محاولاتنا لاستنساخ مبدعين من جينات سرور وكرومه أو وردي ومحمد الأمين في العام 2016 . فلكل جيل روحه التي ينتمي إليها ويعبر عنها وطرقه التي يجب أن يختارها للتعبير عن ذاته دون أن يلقن بأن الماضي هو الأجمل وان عجلة الغناء توقفت منذ عقود لتستلب الاجيال القادمة نتيجة لذلك لماضي لا يعبر عنها ولا تجد ذاتها فيه إلا لكونه مفروض عليها كالعادات والتقاليد . اننا بحاجة لبرامج تحرض الأجيال علي الابتكار والإبداع وإنتاج أعمال تعبر عن روح العصر أو تنتمي لما هو آتي أو تحن ما بين الفينة والآخري للماضي في سياق انه تراث ومكون لجزء من ثقافتهم لا كلها كما هو الآن وكما يحاول البرنامج إثباته. أما آن الأوان لكي نخرج من ماضويتنا ونتصالح مع الحاضر كي ننتج اغنية تنتمي للآن وتتصالح مع الأمس وتفتح نوافذها علي الغد كي لا يكون هو الاخر نسخة مشوهة من الماضي . [email protected]