الحمد لله على ان توازن القوى داخل نداء السودان قد ادى الى مقررات ستدفع بالحل الصحيح لقضايا السودان فى نهاية الامر ، ذلك اذا صح ان موقف النداء سيظل هو : عدم التوقيع على خارطة امبيكى الا بتحقق شروط الاجتماع التحضيرى واجراءات تهيئة المناخ لحوار منتج.فقد قال الدكتور امين مكى مدنى : " استبعد التوقيع على خارطة الطريق قبل اقرا رالملحق ومالم تحسم قضايا تهيئة الاجواء للحوار ". وقال رئيس حزب المؤتمر الشعبى: " ليس هناك فى الافق رأى يتعلق بالتوقيع على الخارطة ... " وأيضا "ان المطروح هو التعاطى الايجابى مع عملية الحل السياسى ، وفق الشروط المتوافق عليها داخل نداء السودان وهى شروط معلنة ومعروفة .." من ناحية أخرى أكد بيان نداء السودان :"...ان هناك مستجدات ايجابية حدثت فى الاستجابة لما طرحه نداء السودان حولها – أى الخارطة - من مراسلات ومقابلات مباشرة مع الآلية الرفيعة والاتحاد الافريقى والمجتمع الاقليمى والدولى ..." وهذا كله كلام جميل . ولكن – هذه لم لا تدعنى – بسبب شكوك لها مبرراتها فى تجارب سابقة مع اشكال سبقت للمعارضة ، ومع السلطة ومع رفيعة المستوى ، فاننا نظل متشككين الى ان يحدث العكس . ولعلك تلاحظ فى حديث الدكتور امين كلمة "استبعد "، وفى حديث الاستاذ الدقير " ليس هناك فى الافق رأى يتعلق بالتوقيع على الخارطة ... " وهى كلمات اناس من داخل اللقاءات تدل على ان هناك بعض الاراء غير الثابتة فى الموضوع . ومع ذلك دعونا نأمل خيرا وننتظر ماسيأتى به اجتماع امبيكى . والمنتظر من طرفنا هو شئ واحد : موافقة الرفيعة على شروط تهيئة المناخ وعلى راسها التمهيدى وبالعدم توجه النداء الى الانتفاضة رأساً ! غير ان الشئ الايجابى فى كامل الامر ، وبدون شك ، هو ان توصل نداء السودان الى ماتوصل اليه بشأن الخارطة وامر القضية السودانية بشكل عام ، انما يدل على تحول محسوس فى توازن القوى : فمن ناحية ، هناك التحرك الشعبى اليومى ، والذى ربما لايكون محسوسا للمراقب العادى ، بسبب تشتته وحدوثه خارج العاصمة التى كانت فى السابق هى مقياس الحركة . ان اشياء مثل ما حدث فى ولاية سنار من طلب جماهيرى معلن فى مؤتمر صحفى باعفاء الوالى ، والغاء احتفالات وثيقة الدوحة ، واعلان وقف اطلاق النار من طرف الحكومة بعد الهزائم التى لحقت بها فى كردفان والنيل الازرق ، واضراب اطباء كوستى ، ومطالب اتحاد ستات الشاى وخطب جامع الانصار الشجاعة ، ووقفات النشطاء الرمضانية امام الامن مطالبة باطلاق سراح الطلاب المعتقلين .... كل هذا وأكثر. ثم محاولات القفز اليومية من السفينة التى توشك على الغرق من جانب غلاة الاسلامويين ... الايدل كل هذا على تغير فى ميزان القوى لمصلحة المطالبة بالتغيير الجذرى. فقد بات يتضح كل يوم لعامة الناس ان القضية لم تعد انعدام الماء فى امبدة او الكهرباء فى الشمال او غلاء الاسعار فى كل مكان او الحرب فى النيل الازرق وكردفان او وجود الجنجويد فى سنجة والدبة ... الخ وانما القضية هى زوال هذا النظام الذى تسبب فى كل هذا بسبب اعتقاده بان البلد ملك له ولانصاره يفعل فيها مايشاء . اذن فان توازن القوى الداخلى بين السلطة والشعب هو مايؤدى فى الاساس الى تغير المواقف من قبل القوى الداخلية والخارجية . فاذا بدأنا بالداخل – وهو الاساس - فاننا نجد ثلاثة انواع من البشر : - المستفيدين بشكل مباشر او غير مباشر من وجود السلطة ابتداء من بناة القصور واصحاب الحسابات الدولارية الخارجية وانتهاء بالحاصلين على التراخيص والمزايا مثل صاحب الالف دكان وفدان! وهؤلاء قلة وسيهربون مع اول خروج للشارع . - وهناك فى الطرف المقابل القابضين على جمر المعارضة منذ اول يوليو 1989 وحتى اليوم ، وهؤلاء يزدادون تمسكا بمواقفهم ويزدادون تجربة ومعرفة باساليب منازلة هذا النظام الذى لا اجد له شبيها فى التاريخ القديم والحديث ، وهم يزدادون عددا وعدة والحمد لله . - وهناك الواقفون على الرصيف : الاغلبية من هؤلاء هم الذين نزحوا بسبب الحرب والاقتصاد من الريف الى الخرطوم . الجزء الاكبر منهم لايزال يرى فى الخرطوم جنة طالما ان لديه حق المواصلات من الاطراف الى قلب المدينة ثم الرجوع آخر اليوم بعدد من الجنيهات يقمن صلبه وصلب عائلته ان كانت له عائلة . الجزء الاقل تتآكل فرصه فى العيش مع ازدياد سوء الاحوال الاقتصادية . وهؤلاء قابلون لتغيير المواقف عند نقطة معينة من تدهور الحال ومع الوعى باسباب الحال ! كل هذه الفئات يجمع بينها عدم المعرفة بالحقائق وعدم التنظيم . فكما ذكرت فى مقالات سابقة فان الناس لاتدرى ماتريده لهم قيادة المعارضة للتخلص من النظام وماذا تريد بهم بعد التخلص منه . وربما يكون للقيادة مايمكن تقديمه ولكن باى وسيلة . لم اجد فى مقررات نداء السودان الاخيرة شيئا يخص الاعلام : ياجماعة الا ترون مايفعله الاعلام حيال كل مايحدث فى الدنيا ؟ الاترون ماتقوم به الراكوبة الالكترونية وراديو دبنقا ؟ الم تسمعوا عن الوسيلة المتخلفة وقتها " شريط الكاسيت " التى استخدمها الخومينى لاشعال الثورة ضد اعتى عتاة الشرق الاوسط فى ذلك الزمان ؟! اذا خرج 100000 شخصا منظما ومعهم وسيلة اتصال بالقيادة فقل على النظام السلام . والوسيلة الاعلامية ستكون قبل ذلك هى القادرة على افهام الناس ماحدث ومايحدث وماسيحدث ، والنتيجة : تغيير لتوازن القوى ! عبدالمنعم عثمان [email protected]