كان على الحركة الشعبية أن تصل بعقل السياسي الحصيف والمستقرئ النجيب لتاريخ العمل الجبهوي والتحالفات، الى أن نجاح تجمع الشعب السودانى، الذي أسس في العام 79 بين البعث والحزب الاتحادي الديمقراطى بقيادة المرحوم الشريف حسين الهندى، وحزب سانو بقيادة صمويل ارو والامة جناح ولى الدين الهادي المهدى، في قيادة الشارع السوداني بنضال دوؤب وشرس ملتحم بالجماهير قائداً لها ومعلماً ومتعلماً منها، نحو الانتفاضة الشعبية التى توجت بانتصار الشعب فى ابريل 1985 ،وتفرد البعث حصرياً في إقتراح الإضراب السياسي والعصيان المدني من المرحوم الرفيق شوقي ملاسي في اكتوبر 1964، وعن جدارة نضالية ووعي ثوري والتصاق بالشارع ونبض الجماهير وحركة صعودها، واقتراح دكتور خالد شاع الدين في 1985 في نقابة الأطباء الاضراب السياسي والعصيان المدني الذي كلل بالانتفاضة، كان عليها ان تري بعقلها وحسها ان هذا العمل الفريد لا يأتي إلا من حزب ذوطابع فكري ونضالي وجماهيري ووطني، لايشبه في قيمه واخلاقه ومبادئه ماأعتادت عليه الساحة السياسية، كان عليها أن تتأمل في التجارب السابقة وتسأل لماذا فشلت جبهة الهيئات بعد أكتوبر ؟ ولماذا فشلت الجبهة الوطنية إبان عهد مايو وعاد الصادق من بوابة الشرق، (بورتسودان ) مصالحا من وراء ظهر شركائه ؟ وكان عليها أن تسأل لماذا فشل التجمع الوطني الديمقراطي، وكان أكبر انجازاته حق تقرير المصير للجنوب فى اسمرا 95 والمشاركة في السلطة عبر اتفاقية القاهرة ؟ ولماذا لاتري الحركة أن نهجها وعدم مصداقيتها ومبدئيتها في العمل المشترك مع التجمع الوطني الديمقراطي هو ذات النهج وعدم الالتزام الذي تتصف به الانقاذ؟ أم أن وجهي العملة الواحدة لايري أحدهم الآخر؟ كان حرياً بها أن تسأل لماذا فشلت الجبهة الثورية؟ ولماذا أصبح الصراع علي كرسي الرئاسة مقدم علي الصراع مع الانقاذ؟ وقبل هذا وذاك كان عليها ان تسأل لماذا فشل العمل العسكري الجبهوي المسلح مع الحركة الشعبية الأم لقطاع جبال النوبة، وبرزت تيارات بقيادات مؤسسة لتنظيم كومولو والعمل المسلح؟ وبعد كل هذا، هل كان البعث طرفاً أو حتي مراقباً في هذا الفشل وصراع المصالح الذي تمثله الطائفية والرجعية والرأسمالية الطفيلية المتأسلمة وقبلها الراسمالية غير الوطنية المرتبطة بالأجنبي، ومدعي الثورية المتسترين والمتاجرين باسم الهامش والافريقانية، صنو وتوأم المتسترين والمتاجرين بالدين والعروبة. ما أكدته التجربة أن الموقف الوطني الصحيح الملتزم مصالح أوسع الجماهير والمتمسك بوحدة التراب الوطني ، هو موقف البعث. أما الحديث عن الديمقراطية والبعث فلنتحاكم بتجربة وطنية وموضوعية وانتصار الحقيقة لنا أم علينا، ويكفي في ذلك إنتخابات جنوب كردفان المؤجلة، من الذي منع مناديب المرشحين وطرد أعضاء اللجان في مناطق نفوذ الحركة (أو المناطق المحررة) ؟ التي تشبه فرية السودان الجديد (وبالاصح السودان الممزق)، هل هم البعثيين؟ وهل كان الفرق الواضح في أعداد المسجلين والمصوتين في بعض مناطق الحركة من صنع غيرالحركة؟ (نفس اسلوب الاسلاميين في تزوير الانتخابات). وما الفرق بين الحركة التي كانت تمتلك أقبية للسجون والتعذيب في مدن الولاية الكبري للمواطنين، وبين الإنقاذ اثناء اتفاقية نيفاشا؟ إن من يستقي معلوماته ومعرفته من الدوائر الإعلامية المرتبطة بالصراع الدولي، والتي تزور الحقائق لصالحها، ولا مصداقية لها، وتورد معلومات مشحونة بالتضليل والنفاق الذي يعمي عن الهدف الحقيقي للصراع والحرب (وهو المصالح الامبريالية والصهيونية)، ان من يفتح اذنيه للكذب عليه أن يعيد فتحهما للحقيقة عندما تطلقها نفس المصادر بعد تحقيق هدفها وانكشاف الحقيقة من ذات الدوائر، ولكي تضفي علي وجهها مسحه إنسانية وتبرر عدوانيتها والمجازر والدمار الذين ارتكبتهما بحق الشعوب، ولكي تستعد لدور دموي أكبر. ولعل مايجري في بريطانيا الآن يوضح ماقصدته، وإذا عدنا بالذاكرة فبريطانيا التي بدأت تجارة الرقيق في القارة بعد أن استنفذت اغراضها، مثلت دور الراعي الإنساني، فسنت قانون منع تجارة الرقيق متهمة غيرها بتجارة الرقيق. اما بخصوص حلبجة و أسماء مثل علي الكيماوي وو..... فإن منتج الفيلم الأكذوبة والممثلين وضحوا للعالم أجمع ، أن كل الذي تم هو من صنع الموساد، من أجل إثبات قدرة اسرائيل وإرهاب وتخويف من يتجاوز الخطوط الحمراء، وتأكيد سيطرتها علي القرار الدولي والاممي. فالسؤال هو ماالذي يجعل الحركة الشعبية تنافح بما نفاه أصحاب الفيلم ومنتجوه ؟ عندما نقول للآخرين حاكمونا بافعالنا وأعمالنا وتجربتنا الوطنية، دون أن يعني ذلك التقليل من عظمة البعث النضالية والحضارية والانسانية، فإننا لانريد للآخرين أن يجعلوا من أكاذيبهم عنا مساحيق يجملون بها وجوههم أمام شعبنا خاصة في الهامش، ويقدمون انفسهم كمنقذين ونسأل: كم حلبجة {مجزره} ارتكبتها الحركة الشعبية الأم بحق أبناء جبال النوبة؟ وتحديداً في المحاكمات والمعتقلات والسجون وتصفيات قيادات النوبة؟ أليس وضع تلفون كوكو فريد في تاريخ الحركات الثورية المسلحة؟ حتي نلسون مانديلا كان سجنه وأعتقاله فيه شئ من الموضوعية والشجاعة ،رغم أن سجانه مستعمر بريطاني وذاك مناضل ثوري بمنظور الابارتدهيد ليس له الحق والحرية في النضال ضد اسياده، فماذا تقول الحركة الشعبية في سجن اوتادبا الاقامة الجبرية علي" تلفون" بعيدً عن وطنه والثوار؟ الثورة التي أسسها وبناها مع رفاقه منذ بواكير عمره، استشهد منهم من استشهد واعدم منهم من اعدم؟ هل هذه هي الحرية والديمقراطية التي تسعي لإنباتها؟ أما وصف المحاولة العسكرية من قبل منسوبي البعث في القوات المسلحة لإستعادة الديمقراطية في رمضان 90 ،اولئك الضباط المشهود لهم بدورهم الوطنى في إرغام قياده الجيش للانحياز لانتفاضة 85 تحت تهديد السلاح، وصفهم بالإنقلابيين لهو وصف جانبه الصواب، ونقول أن البعث كان حريصاً علي عدم إراقة قطرة دم، لأن هدفه لم يكن السلطة. أما الذين كان هدفهم السلطة والإنفصال اراقوا الدماء في الكتمة 66 الساعه 6 بكادوقلي حيث سالت أنهار من الدماء وأبيدت أسر بأكملها، وفقدت عوائل من يعولها، وشرد ويتم المئات من الأطفال في تراجيديا ومأساة فريدة لم ولن تتكرر في السودان، فالمجزرة التي ارتكبتها الحركة والمؤتمر الوطني بكادوقلي كانت أفظع من " الإثنين الأسود" نفسه، وكل ذلك بذريعة تزوير نتيجة الإنتخابات التى أجريت تحت شعار "النجمة أو الهجمة" من قبل الحركة الشعبية و "ياهارون أو القيامة تقوم" من قبل المؤتمر الوطنى، والتي افتقدت النزاهة والمصداقية من الطرفين. فمن هو الإنقلابي والدموي؟؟ وأخيرا إن موقف البعث من نداء السودان وكل البدائل الزائفة، ورفض البعث إعادة إنتاج الازمة وتبادل المواقع بين اصحاب المصالح المشتركة التاريخيين في التجربة السودانية، والتي تدخل تجربة الشراكة النيفاشية كأوضح نموذج لوحدة المصالح الطبقية، رغم التناقض الظاهري الكبير بينهم، المدجن بالدين والعنصرية، أكرر، هذا الموقف الوطني الاصيل حرياً أن يجعل الحركة الشعبية تنظر بنظرة موضوعية وتاريخية وعلمية بعيداً عن النظرة الانطباعية والسطحية العدائية، ومن المعلوم أن الهرولة نحو السلطة والظفر بالتسوية ، بعد التضحيات الكبيرة وسنين النضال الطويلة، تنتج فرزاً جديداً للقوي واصطفافاً يجمع المتحاربين بالأمس في خندق السلطة، ويضع المعارضة المتمسكة بالموقف المبدئي والصحيح في خانة العدو الأول لحلفاء الامس، فما اتت به الحركة الشعبية ليس بجديد. الثقافة بشكل عام، والثقافة السياسية والفكرية تشكل أهم مقومات وركائز المعرفة والوعي بالذات والآخر، الجدير بالملاحظة ان غياب الثقافة والإطلاع لدي كثير من الذين يصلون إلي مواقع مهمة في قيادة العمل السياسي، يقودنا الى إستنتاج مفاده أن هؤلاء يتشكل وعيهم ومعرفتهم للآخر من مايطلقه الغرماء السياسيين والخصوم من مقولات، لذا لايتجاوز وعيهم ونقدهم مهاترات اركان النقاش وبرنامج الإتجاه المعاكس لفيصل القاسم، ومثل هذا الوعي والمعرفة للآخر مشحون بالعداء بدون معرفة حقيقية ، وأسير للإستلاب والتبعية، لذا يكون موقف كهذا عارياً من الموضوعية والعلمية، وبعيداً عن حقائق الواقع والتاريخ، ولايكون الا تضليل أو تبرير أو إلهاء عما يعتزم حياكته تجاه الوطن، فالبعث ليس عضواً فى الجبهة الثورية، ولا هو أحد أركان العكننة والصراع المستميت علي رئاستها، ولا هو عضو في مجموعة نداء السودان والمهرولين للتسوية، أو من المصارعين علي الرئاسة، ولم يكن البعث عضوا بالتجمع الوطني الديمقراطي بالخارج برغم انه من مؤسسيه بالداخل، والمتمسك بخطه وميثاقه منذ تأسيسه ( الاضراب السياسي والعصيان المدني )، ولم يتكئ علي الاجنبي أو يوافق علي حق تقرير المصير ، ولم يسلم البعث مشكلة وملف جبال النوبا الي حركة مسلحة تقاتل وتناضل من اجل قبائل الدينكا كما يقول الواقع الملتهب فى دولة الجنوب . [email protected]