ارسلتني والدتي لاجزخانة محمد على بحي ملكال بغرض جلب الدواء الخاص بها .. مالك الاجزخانة اسمه محمد على ويلقب بالريس .. فهو أٌمي لايقرا ولا يكتب .. مع ذلك شق طريقه الى عالم المال الاعمال .. وتربع على قمته حتى اصبح يشار اليه بالبنان .. وصار مضرب مثل للانسان الطموح الناجح .. لم اجد موظف الصيدلية انما وجدت محمد على نفسه بصحبتة عبد الرحمن سولي الذي جاء هو الاخر بغرض شراء دواء يخصه.. تناول محمد على روشتة الدواء الخاصة بي ثم ذهب الى رف معين وجلب الدواء ووضعه امامي .. كنت مستغربا .. سلفا انا اعرف انه لا يقرا .. لذا شككت في انه الدواء المعني .. عبد الرحمن سولي خاطبه : يابا محمد على اتا ودي انا دوا شختك بختك .. عبد الرحمن سولي هو الاخر يشك في الدواء الذي استلمه .. فقد اعتقد انه ليس الدواء المطلوب .. محمد على وبصوته الجهور يصيح: دكتور فليب تعال .. تعال هنا .. فاذا بالصيدلاني دكتور فيليب تاقونق يدخل الينا في الصيدليه .. كان مارا بالشارع صدفة .. شرح له محمد على اننا نشك في الدواء الذي اشتريناه .. اتجه دكتور فيليب الى عبد الرحمن سولي وساله عن مرضه فاوضح ما يعانيه .. ثم قرأ روشتة الدواء خاصته وقرا ايضا ما دٌون في قارورة الدواء .. بعدها أمن دكتور فيليب ان الدواء صحيح لاغبار عليه .. ونفس الشيء تكرر معي .. ضحك الريس بفخر .. قال دكتور فيليب موجها كلامه الى محمد على : ياتا ساقا (اقسم بالصاعقة) اتا كان قرا .. كان في لي اتا مصنا كتير تا دوا.. دكتور فيليب يقسم بالصاعقة بان محمد على اذا نال حظه من التعليم فانه حتما سيملك مصانع للدواء .. القسم بالصاعقة احد ادبيات اليمين في الجنوب .. محمد على الريس يحس بالسعادة والنشوة والانتصار .. فشهادة دكتور فيليب لها قيمة ادبية كبيرة فهو اول صيدلاني في جنوب السودان قاطبة .. خرجت من الصيدلية متوجها الى بيتنا فاذا بمحمد علي الريس يناديني : يا ولد تعال ودي عمك عبد الرحمن سولي لي بيته ما ينزلق ويقع على الارض ويتكسر .. اصلا هو بقا زول نانقرو (خردة ) .. ضحك عبد الرحمن سولي وقال : انا نانقرو (خردة) يا بتاع شختك بختك .. صحبت عبد الرحمن سولي الي ان وصل بيته في حي نمر ثلاثة .. كعادته لا يتكلم الا قليلا .. وانفاسه تعلو وتهبط ثم يسعل ويكح .. في عام 1983م حضرت الى الشمال للمرة الثانية .. سبق وان جئت لكنني كنت طفلا صغيرا لا أفقه شيئا .. بعد يوم او أكثر قررت الذهاب الى السجانة لمشاهدة الحيوان المسمى بالحصان .. ففي الجنوب لا توجد لدينا خيول .. عندما وصلت السجانة وقتها الموسم موسم خريف .. يتحرك الناس بصعوبة وعسر ومشقة من جراء مياه الامطار الجارية والترع الراكدة .. وجدت نفسي في ممر ضيق وانا اشاهد امامي كارو به حصان اتمعنه بذهول واستغراب .. لم اتصور الحصان بهذا الحجم الضخم .. فاذا برجل يصيح من ورائي : ياخ امشي انت اول مرة تشوف حصان .. اجبته بالايجاب .. يبدو ان حب الاستطلاع تملكه سألني : من وين جيت .. قلت له : من الجنوب . أشار وقال : طيب هناك حمار شوفه كمان .. سبق وان شاهدت الحمير من قبل ..اول مرة تدخل الحمير مدينة جوبا في اواخر السبعينات من القرن الماضي .. جاءت ثلاثة حمير دفعة واحدة بالباخرة القادمة من مدينة كوستي .. الحمار الاول يخص عبد الرحمن سولي والحمار الثاني يخص على منصور اما الحمار الثالث يخص سلطان اندريا .. فكان الحمار اذا مشي في الطرقات تمشي معه سيرة وزفة من الناس .. ينظرون اليه باستغراب وتعجب .. كيف لحيوان عشبي لا يحتوي رأسه على قرون .. الناس يصيحون : قرون تاو ماف .. وين رقون رووا .. في لحظتها ظل الحمار رمزا للعلو والرفعة والسيادة .. مع مرور الزمن تدفقت سيول من الحمير حتى الوضع اصبح اكثر من عادي .. فصار الحمار حمارا .. يضرب به المثل في الغباء والبله .. ذات مرة رأيت عبد الرحمن سولي غاضبا يتكلم بصوت عالي تكسوه نبرة حادة من الزعل وهو يسعل ويكح والزبد يخرج من فمه .. ادركت السبب .. ان رجلا جنوبيا قال له لماذا يدين بالاسلام .. والاسلام ليس ديانة الجنوب .. انها ديانة وافدة من الشمال انها ديانة المندوكورو .. رد عليه عبد الرحمن ردا قاطعا : وهل المسيحية التى تدين بها نزلت في في الجنوب .. وهل يسوع ولد في تركاكا او منقلا .. ثم طلب منه ترك المناقشة في العقائد لانها تجلب التفرقة والشتات .. ماسقته يؤكد انه رجل يعتز ويفتخر بدينه .. اذا سألني سائل ما هو اسوأ يوم في الحياة الذاخرة لعبدالرحمن سولي .. فاقول له ليس يوم وفاة ابنه جمعة او يوم وفاة والديه او فقدانه للرفاق وهم يتساقطون في ميدان المعركة .. ان اسوأ يوم في حياته عندما هجر ابنه عبد الله الاسلام وتحول للمسيحية .. حاول رفقاء دربه من رجال مسجد نمرة 3 ان يعزوه ويواسوه ويشاطروه الألم .. كانوا يتلون عليه الاية (لكم دينكم ولي دين) ويقولون له هذه ارادة الله .. رغما عن ذلك طالت فترة الغم والنكبة .. بعدها بشهر تقريبا استطاع الخروج من دائرة الاسي والهم .. وعاد لممارسة حياته العادية .. لم يكتف عبد الله عبد الرحمن سولي بتغيير ديانته للمسيحية فحسب بل غير اسمه ايضا الي بيتر عبد الرحمن سولي هذه نقطة نزاع اخري .. ففي راي والده ان يبقي ابنه على اسمه كما كان .. خاصة وفي الجنوب تجد احدهم يحمل اسما اسلاميا ويدين بالمسيحية والعكس صحيح .. ثم قرر بيتر عبد الرحمن سولي ممارسة العمل السياسي .. لكنه انتهج خطا جديدا ظل والده يحاربه منذ أمد بعيد وهو المطالبة بانفصال الجنوب .. مخالفا طريق والده القديم الداعي الى الوحدة بين الشمال والجنوب .. في الاربعينات من القرن الماضي استدعاه المفتش الانجليزي وذلك ان صوته بدأ يعلو ويهدر فقد اُتهم بمحاولة تكوين كيان سياسي في جنوب السودان مناهض للاستعمار ولمؤتمر الخريجين معا .. رأى عبد الرحمن سولي ان يتأخر الانجليز في الخروج من السودان قليلا وفي ذات الوقت يجب العمل على تأهيل الجنوب تأهيلا تعليميا واداريا حتى يتساوى اكاديميا مع الشمال مع الاحتفاظ بحق الجنوب في حكم فيدرالي موسع.. عندها سيكون الاتحاد بين الشمال والجنوب اتحاد مساواة وعدالة لا اتحاد خنوع وجور ومذلة .. وهو يعتقد اذا رفض الشمال منح الجنوب حكما فيدراليا واسعا سيأتي اليوم الذي يُقدِم الشمال مزيدا من التنازلات والتنازلات ولن يجد الجنوب ضمن حدوده الجغرافيا .. وصدقت نبوءة نسترداموس الجنوب .. قدم الشمال تنازلات كبيرة في نيفاشا .. كان يمن تفاديها لو منح الجنوب الحكم الفيدرالي مع بداية الاستقلال كما دعا عبد الرحمن سولي .. في العام 1955 وقف عبد الرحمن سولي امام المصلين قال لهم كلمة مقتضبة .. ان خروج الانجليز يعنى ان الحرب الاهليه ستنشب .. وحذرهم – اي المصلين - ان الجنوبيين لا يثقون في ادارة المندوكورو لان الشمال يريد الاستقلال والهيمنة على الجنوب وعلى موارده .. اما في وجهة نظره فحقوق الجنوب غير مصانة ومجهولة واصبحت في ايد غير امينة .. وذكر لهم ابناء الجنوب لا محالة سيرفعون بنادقهم في وجه حكومة الاستقلال القادمة .. بل وذهب لابعد من ذلك عندما طالبهم بترحيل ونقل اسرهم بعيدا من الجنوب حفاظا علي سلامتهم وارواحهم .. ولان عبد الرحمن سولي كان يؤذن في مالطة فلم يصغ اليه احد.. بل سخروا منه وضربوا بتحذيراته تلك عرض الحائط .. ماهي الا شهور معدودات بعدها أطلت حوادث 1955م برأسها .. وخلفت من الضحايا ما خلفت .... لعبد الرحمن سولي اعتقاد في الرأسمالية الشمالية الموجودة في الجنوب .. رأي انها استأثرت بالمال بانانية وبحب ذات ولم تقدم خدمات اجتماعية فعالة للمجتمع المحلي الذي رفعها الى اعلي .. هذا واحد من اسباب الغبن المتغلغل في صدور سكان الجنوب .. فكان يدعوهم – اي الرسمالية الوافدة- الى المساهمة بفعالية من اجل تنمية وتطوير المناطق الموجودين فيها من اجل تعزيز الثقة بين الطرفين .. فهو يشعر بالفخر والامتنان اذا قدم احدهم اي خدمات للمجتمع المحلي .. مهما كانت الخدمة صغيرة .. ذات مرة جمع مهدي الصافي شباب مسجد نمرة 3 من اجل تنظيف مساحة في المسجد ظلت مهملة وقذرة .. فعندما يمر عبد الرحمن سولي يبدو سعيدا ومسرورا يدعو الله للشباب بالتوفيق والسداد ويقول : قوة تاي مافي .. انا ما بي اقدر قدمو مساادة .. انا بقا زول اجوز .. يعتذر للشباب لعدم مقدرته في تقديم يد العون والمساعدة لكبر سنه .. بعد اتفاقية اديس ابابا 1972 عاد الثائر عبد الرحمن سولي كمواطن عادي .. لم يحارب من اجل منصب او جاه أو مال .. انما حارب من اجل القضية التى ترعرع في حضنها .. لم يطلب اطلاقا أي حصة من المناصب نظير خدماته .. بل عف نفسه عند المغنم .. ذلك انه رجل يتمسك بالقيم الاسلامية التى تري ان التفاخر بالاعمال الجليلة يمحق الحسنات ويذهبها .. لذا يندر ان تجده يتباهى بما قدمه لوطنه من خدمات جليلة بل يري ان ما قام به من صميم واجبه تجاه ابناء جلدته .. مع ذلك يتشرف ويتفاخر بالانتماء الى قبيلة الباريا .. ظل يقول خذ من الباريا اي شيء الا الارض .. ربما ادركت حكومة الجنوب الان قيمة مقولة نسترداموس الجنوب هذه .. لذا رأت نقل العاصمة من جوبا الى رامشيل .. بحجة ان الباريا لايرغبون بمنحها الارض .. اسرة عبد الرحمن سولي اسرة كبيرة ولنتابع ما كتبه الشيخ / المهدي الصافي المهدي عنها ..( العم عبدالرحمن بن سولي لادو بقرا الذي عرفتة خلال وجودي بجوبا .. تشرفت بصحبتة .. وتمنيت أن يطول الوقت لانهل من علمة .. وسعة اطلاعة .. وخبراتة التراكمية وافكارة النيرة .. وجميل خلقة وسعة صدرة.. وعظيم كلماتة علي قلتها .. وهو أحد أعمدة قبيلة الباريا والتي تعني الإنسان الغريب .. قبيلة الباريا من القبائل النيلية الحامية.. هاجرت من موطنها الأصلي في مناطق واسعة علي الهضبة الأثيوبية.. تمتد جذور هذه القبيلة حتي الجنوب الأفريقي .. وسكنت منطقة خور بركة ونهر جوبا .. وتزاوجت مع قبائل الكنوما والبازا. . والبني عامر .. وتعود جذور القبيلة أربعة. أصول وهي. المقريب..والهقر .والكويتا.. والسانقورتا.. وبعد دخول المهاجرين.. من مناطق مختلفة ضاق بهم المكان.. وقررت مجموعة منهم. الهجرة جنوبا.. وكانت جوبا هي الخيار. . وجاءت تسميتها علي نهر جوبا بالحبشة الذي يشابه نفس المناخ والتضاريس .. وكان ذلك قبل ثمانمائة عام. العم عبدالرحمن سولي كان طيبا من اطياب مدينة جوبا.. ورقما لايمكن تجاوزه.. بعد هذه الفزلكة التاريخة نعود بكم الي أسرة عبدالرحمن بن سولي.. لة من الإخوة والأخوات. علي سولي لادو. من الأخوات الخالة كافوكي.. وكيدن وهي والدة د / إسماعيل ميكا.. ونقالي.. وهما الآن بمنزلة بنمرة ثلاثة. ولة من الأبناء جمعةعبدالرحمن. و الاستاذ موسي بسنار.. وزكريا بأمريكا. .وادريس بكندا.. والاستاذ عبد اللة وبدر الدين وهوكابتن طيران.. وعادل عبدالرحمن ضابط شرطة..والطاهرمهندس بجوبا. . والطيب وملقب بي وإني لادو. درس بماكييرري يوغندا.. وجامعة الخرطوم آداب.. وهو الآن وزير للتربية بولاية جوبيك .. ومن البنات عائشة والدة الأخت بدرية سولي) .. [email protected]