(لأنها ليست أكثر من معالم للتسوية السلمية) مهدي إسماعيل مهدي (بريتوريا: 6/أغسطس/2016) بادئ ذي بدءٍ دعونا نتفق على تعريف مُصطلح "خارطة الطريق"، وتبيان الفرق بينه "أي المُصطلح" وبين "الإتفاق الإطاري" كإتفاقية مشاكوس الإطارية المعروفة بإسم "إتفاقية عقار/نافع"، وما الفرق بينهما وبين "الإتفاقية الشاملة" ببروتوكولاتها وملاحقها التفسيرية/التفصيلية، وخير مثالٍ لها إتفاقية السلام الشامل "إتفاقية نيفاشا"، علماً بأن أي عملية تفاوضية عادة ما تبدأ بتوقيع مُذكرة تفاهم (MOU)، أو مذكرة خارطة طريق (Road Map) يُعرب فيها الطرفان عن رغبتهما الجادة في التفاوض/التفاهم، ومن ثم تأطير هذه الرغبة، التي قد تُفضي أو لا تُفضي إلى إتفاق في نهاية الأمر، وذلك حسب مدى توفر الرؤية الإستراتيجية والإرادة السياسية، والقُدرة على تقديم التنازلات المتبادلة بين الطرفين (بدون دس محافير). تعريف مُصطلح "خارطة الطريق": "An arrangement or decision about what to do, made by two or more people, groups, or organizations". "إتفاق أو قرار بما ينبغي عمله حول أمرٍ ما، بين شخصين أو أكثر أو مجموعة أو منظمة/مؤسسة ما". "A plan or set of instructions that makes it easier for someone to do something". "خُطة أو حزمة موجهات تُيسر لشخصٍ ما، فعلِ أمرٍ ما". "A detailed plan to guide progress toward a goal". "خُطة تفصيلية لتوجيه المسار لتحقيق هدف مُحدد" ولعل لجنة الوساطة الإفريقية بقيادة/تابو أمبيكي، قد أُضطرت إضطراراً إلى إقتراح خارطة الطريق (وفرضها مُستعينة بضغوط المُجتمع الدولي والإقليمي) بعد أن نفد صبرها، بعد جولات لاتُعد ولا تُحصى من التفاوض والرحلات المكوكية، ووصولها إلى قناعة بأن جُل الأطراف المتفاوضة لا تملك الجدية الكافية أو تفتقر إلى الرؤية الإستراتيجية الواضحة، أو عدم توفر (لأحدها أوجميعها) إرادة سياسية حقيقية، ولذلك صار التفاوض بين هذه الأطراف (سواءً في الدوحة أو أديس أبابا أو ألمانيا أو باريس) عبارة عن مماحكات وتكتيكات قصيرة النظر، تؤدي إلى نقض اليوم لما أُتفق عليه بالأمس، فأصبح الجميع (بما فيهم المُجتمع الدولي والمتفرجون، أمثالنا) يُشاهدون مُسلسلاً ممجوجاً ويدورون في حلقة مُفرغة، بينما الوطن ينزف دم القلب. ولعل من المفارقة أن كافة القوى السياسية "المُسلحة وغير المُسلحة" من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، تُشنف آذاننا "وأحياناً تُصدعها" صباح مساء بأن "التسوية السياسية التفاوضية"، خيارها الأول، وأن الإنتفاضة الشعبية السلميةخيارها الثاني، (وبعضها يضع العمل المسلح خارج حساباته تماماً) ولكنها (أي هذه القوى السياسية) تتشدد وتتردد في التوقيع على مُجرد إتفاقٍ مبدئي لتأطير وبدء التفاوض، للسير في طريق التسوية السلمية، بحُجة عدم جدية النظام، وأن التفاوض معه لا ولن يؤدي إلا إلى إطالة عمره أو هبوطه هبوطاً ناعماً لا يوافقون عليه!!، وهذا منطق غريب؛ لأنه إذا كنت لا تثق في النظام لهذه الدرجة فلا معنى للقول من الأساس بأنك ترغب في التسوية السلمية والتفاوض معه، وليكن موقفك مثل موقف حركة/ عبد الواحد النور (لا تفاوض ولا تسوية سلمية مع هذا النظام) وتحمل بندقيتك على كتفك وتقاتل بما تملك، أما مسألة (عاوز وملاوز) فلا مكان لها في العمل السياسي، والمؤسف والمؤسي حد الإحباط أن جُل الرافضين للتفاوض السلمي، يرفضون أيضاً حمل السلاح وفي ذات الوقت غير قادرين على حشد الشارع لإسقاط النظام!!!!. (وهذا موضوع شرحه يطول). وإذا ما استعرضنا مُبررات الرفض، لوجدنا أنها تشمل (بالإضافة إلى عدم الثقة في النظام) عدم قبول الإلحاق ب "حوار الوثبة" ، وأود أن أسأل سؤالاً: لماذا نقول الإلحاق وليس المُشاركة؟؟ وما الفرق بينهما؟؟. وأزيد فأقول أن المُعارضة بيدها أن تجعل من أمر ولوجها لساحة الحوار، إلحاقاً أو مُشاركة، إذ لأ أحد يملك القُدرة على إجبارها على أن تبصم على مخرجات الحوار، والمحك هنا يكمن في ما تطرحه من رؤى وإقتراحات مُغايرة. واسمحوا لي بأن أُشرح هذا الأمر ببساطة شديدة وأضرب مثالاً: لقد تداولت لجنة قضايا الحُكم في مسألة كيفية حُكم البلاد وتوصلت إلى توصية ب (مُضاعفة عدد أعضاء البرلمان القومي والبرلمانات الولائية) لإستيعاب المُعارضين والمحاورين؛ أي رشوتهم، ومُضاعفة إثقال كاهل المواطن المهدود لدفع مرتبات وإمتيازات هؤلاء العاطلين عن العمل، الإضافيين. فلو تقدمت المعارضة بإقتراح مُضاد فحواه "تقليص عدد أعضاء البرلمان القومي والبرلمانات الولائية إلى النصف"، فمع من سوف يقف الشارع؟!!. تعلمون ونعلم جميعاً أن هُنالك ثلاثة فئات في مُعسكر السُلطة لها ثلاثة مواقف من الحوار الوطني (أو وثبة البشير، كما يقول المعارضون تسفيها)؛ أ- فئة المُفسدين الفاسدين الذين من مصلحتهم إستمرار هذا النظام بحالته الراهنة؛ حماية لمصالحهم الذاتية (ثروةً وسُلطةً) وخوفاً من المُحاسبة أو رفضاً لمُشاركة الآخرين لهم في هذا النعيم الآتي بعد إملاق. ب- فئة الذين يرون في حوار الوثبة وسيلة لوحدة الإسلامويين، بالإضافة إلى أنه (أي حوار الوثبة) يُتيج لهم (فئة الشيخ الراحل وتلامذته) الإنتقام من إخوتهم الذين باعوهم بيع الضان في سوق النخاسة السياسية. ج- فئة الذين يرون أن مُركب النظام وصل القيف ولا بُد له أن يقيف، وإلا فالطوفان الذي سوف يجرف الجميع، في بلد لا تتحمل هطول مطرة، فكيف لها أن تتحمل حرباً ضروساً في قلب عاصمتها التي انتقل إليها الريف بكُل غبائنه وظلاماته ومطالبه (وإن غداً لناظره قريب). وأود أن الفت نظر المُعارضين للحوار/التفاوض (وخطوته الأولى التوقيع على خارطة الطريق) إلى أنهم يقفون في خندقٍ واحد مع الفئة الأولى (فئة اليسع ومامون حميدة وإسحق أحمد فضل الله وشعيب وعبود جابر وتابيتا بنت بطرس). ختاما: أرى أن تعكف المُعارضة على وضع أجندة حوارها (وخارطة طريقها) وبديلها الملتزم جانب الشعب ومصلحته، وتستفيد من الفضاء والتغطية الإعلامية لعملية الحوار/التفاوض، وتعرض برنامجها (بضاعتها) وتتحاور مع شعبها وجماهيرها، فقد طال الغياب وتباعدت الخطوط وبرزت الخلافات التي لا علاج لها إلا بالعودة إلى الداخل لتُجديد تفويض جماهيرها وإستعادة ثقته التي تضعضعت كثيراً، نتيجة لكثير من الممارسات التي فرضتها ظروف العمل الخارجي، مع ما يتقضيه من تأمين وعُزلة وتضييق على الممارسة الديمقراطية الداخلية. ومع ذلك وفوق ذلك نقول: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى (وآمل أن يستبينوا الأمر قبل ضُحى الغد). وآخر قولنا: "وهل أنا إلأ من غزيةٍ إن غوت غويت وأن ترشد غزية أرشد". فلن نكسر صفاً ولن نغرد خارج السرب (ويا جبل ما بهزك ريح، والعارف عزو مستريح)، فالديمقراطية تعني الإلتزام برأي الأغلبية حتى وإن خالف رأيك. وكم كنت أتمنى لو أن إعلام المعارضة (وخاصةً الحركة الشعبية) إتسم بقليل من الحصافة والكياسة والتروي، ولم يوغل في التجريح والتخوين والهجوم على من أبدى رأياً مؤيداً وداعياً للتوقيع على خارطة الطريق، ولم يتشدد في مواقفه الرافضة وترك الباب موارباً حتى لا يهز مصداقيته بالتغيرات الفجائية دون تهيئة، ولعلنا نجد العذر لهم، في أنهم إنما كانوا يحاولون الحصول على أقصى مكاسب ممكنة. [email protected]