كنت و ما زلت اعتقد أننا بما عُرف عنا من ريادة في مجال الرياضة على مستوى العالمين العربي والأفريقي يمكن أن نمنى انفسنا بفرح و سعادة دائمين في كل مشاركاتنا الإقليمية و الدولية لو أننا وفرنا للأنشطة الرياضية التي نجيدها قليلا من الإمكانيات والجهد والتخطيط السليم ، فنحن لسنا أقل قامة من دولتي كينيا و أثيوبيا اللتين نحتتا اسميهما في ذاكرة العالم في رياضات الجري بمختلف مسافاتها رغم تشابه ظروفهما الاقتصادية مع بلادنا ، اذا قيست الأمور بمقياس الظروف المادية التي تمثل احد العناصر الأساسية لتفريخ الأبطال ، لكننا منذ بداية استحداث وزاراتنا بُعيد الاستقلال لم نكن نرى في وزارة الرياضة إلا كونها وزارة للعب "وزارة بتاع لعب" وبالتالي كانت جميع حكوماتنا تتعامل مع هذه الوزارة على أنها وزارة للترضيات و المجاملات و لا تُسند إلا للأحزاب التي يراد كسب ودها وترضية قياداتها و منسوبيها. ولم تكن وزارة الشباب والرياضة بمسمياتها المختلفة في كافة العهود تحصل حتى على ميزانية يدار بها دولاب العمل بالوزارة ناهيك عن ميزانية تُحقق بها البطولات ولا ادل على ذلك من الظروف التي ظلت تمر بها منتخباتنا الوطنية في كافة الألعاب خلال مشاركاتها الدولية مؤخرا وشكوى القائمين على أمرها بكل مرارة و بصفة مستمرة من قلة المخصصات لإقامة معسكرات التدريب وتوفير مستلزماتها ومتطلبات اللاعبين. وبينما نحن في هذا الحال بدأت دول أخرى منذ الآن الإعداد و الاستعداد للأولمبياد القادم بمدينة طوكيو اليابانية صيف 2020م ، يحدث هذا و قد أحرزت كينيا المركز 15 في الأولمبياد الحالي حاصدة 13 ميدالية و أثيوبيا في المركز 44 حاصدة 8 ميداليات بينما حصلت دولة بوروندي على ميدالية فضية واحدة وضعتها في المركز 69 ، أما نحن فقد رضى رياضيونا من الغنيمة بالإياب . يحدث هذا أيضا و نحن نقيم احتفالا و تكريما متعجلا بالقصر الجمهوري لطلاب مدرسة محمد عبدالله موسى من مدينة ود مدني عقب ظفرهم بكأس بطولة قناة تلفزيون "ج" القطرية قبل اشهر ودلت ملابسات هذا التكريم أن المسؤولين المختصين الذين لم يكن أحدا منهم على علم بهذه الدورة أو متابعا لها أصلا اردوا الإيحاء لنا زورا وبهتانا انهم وراء ما تحقق من نجاح ، و هو نجاح لا نرى أن ينسب لمصلحة أي جهة غير إدارة المدرسة المعنية و لاعبيها و مدربهم و من رتب لمشاركتهم ووقف معهم و ساندهم في دولة قطر. كان طبيعيا في مثل هذه الظروف أن يعود ممثلونا في أولمبياد ريو دي جنيرو بخفي حنين لان ابسط مقومات النجاح لم توفر لهم و إنما كان الغرض من ذهابهم للدورة اذا لم اكن مخطئا هو المشاركة فقط و كان المشرفون على فرقنا الرياضية يدركون سلفا أن رياضيينا لم توفر لهم مقومات النجاح والفوز بالميداليات لكنهم لم يروا بأسا من حضور هذه الدورة فلعلها تكون سانحة لهم ولغيرهم للفسحة و الفرجة. و على صعيد ذي صلة فقد اصدر رئيس الهيئة العامة للرياضة بالسعودية يوم أمس قرارا اعفى بموجه رئيس مجلس إدارة اتحاد ألعاب القوى الذي ظل يشغل هذا المنصب منذ حوالي 24 عاما وذلك بعد الفشل المتواصل لرياضيي السعودية في تحقيق إنجازات خارجية في الآونة الأخيرة كما جاء في بعض المواقع السعودية ، أما في الجزائر فقد كاد ما أثير من انتقادات حادة عن إخفاق البعثة الجزائرية في تحقيق نتائج مرضية بحصولها على ميداليتين اثنتين فقط أن يؤدي إلى تشكيل لجنة للتحقيق في ذلك إلا أن وزير الرياضة بالبلاد نفى هذا التوجه مشيرا إلى انه " جد راض عن النتائج المحققة خلال الألعاب الأولمبية " و ما أظن أن أحدا سوف يساءل أعضاء بعثتنا إلى ريو , فبديهي أن من لم يقدم سبتا لن ينتظر أحدا. و على الجانب الآخر كانت سيلفا الفتاة البرازيلية السمراء ذات الخمسة و عشرين ربيعا المنحدرة من حي فافيلا الفقير في العاصمة برازيليا تبعث الفرح و السعادة في الجماهير البرازيلية و تهدي بلادها أول ميدالية ذهبية في أولمبياد ريو في رياضة الجودو و كأني بها ترد بذلك على من أساءوا لها ووصفوها بالقردة و "انه كان يجب أن توضع في قفص" و ذلك غداة إخفاقها في أولمبياد لندن عام 2012م حيث استبعدت من الأدوار الأولى بداعي قيامها بحركة غير قانونية أثناء المنافسة. قالت سيلفا يوم الأربعاء الماضي في مؤتمر صحافي عن المساواة العرقية "خرج القرد من قفص ألعاب لندن واصبح بطلا في ريو دي جنيرو". هذه " الُحرمة " وحدها كانت افضل بكثير بما حققته لبلادها في هذه الدورة من كل الذين كانوا يلوحون لنا بعلم السودان أثناء طابور افتتاح الدورة ولعل واحدة من دلالات فوز سيلفا خلاف عزمها وعزيمتها القوية فضلا عن انتصارها للونها و للفقراء أمثالها هي أننا نستطيع بالتركيز على الألعاب الفردية أن نحقق ما حققته سيلفا. فبالعودة إلى قاعدة بيانات مشاركاتنا الأولمبية السابقة نلحظ أن افضل نتائجنا كان يحققها لنا أبناء منطقتين تشتعل فيهما الحروب حاليا هما جنوب كردفان ودار فور و بالتالي تصبح مشاركاتنا في مثل هذه الدورات بدون أبناء هاتين المنطقتين خصما على مخصصات الرياضة الشحيحة بلا طائل ثم إننا اذا دربنا بعضا من أبناء هاتين المنطقتين بما يتوفر لهم من بنية جسمانية قوية على رياضيات معينة مثل الجودو والملاكمة و رفع الأثقال والتايكوندو والرماية على سبيل المثال لأصبحت ميدالياتها في مثل هذه المناسبات اقرب الينا من غيرنا حسب مشاهدتي و تقديري. فلنوقف الحرب لنبعث الفرح و البهجة في نفوس أبناء و بنات السودان في هذا المجال على الأقل ، و دعونا نتنفس فرحا بدلا من أن نتنسم نارا و بارودا. يحيى حسين قدال [email protected]