الفكرة النيلية في فرعها الأزرق : 1 = 2 = 3 وإلا أصبح الجميع صفرا السودان (شمال السودان الحالي) بموارده وبناسه وبتاريخه وبمحتواه الثقافي والاجتماعي الثر يمثل قيمة إيجابية عظمى ما في ذلك شك. ولا في ذلك تجاوز ولا مجافاة للاعتبارات الموضوعية المحضة. ولكن السودان بحيثياته السياسية الحالية يمثل حالة من العجز والفشل لا مثيل لها وما في ذلك شك كذك. ولا فيه تجاوز ولا مجافاة للاعتبارات الموضوعية المحضة. بين هاتين الحقيقتين المتناقضتين تختبئ آفاق فسيحة للتأمل والتفكير الضروري الذي يستهدف تخليص هذه القيمة الإيجابية من أشد المآلات السلبية المتوقعة والماثلة وشيكا إن لم يتدارك بنوه أنفسهم ووطنهم. التوصيف البسيط والمختصر لفظاعة وفداحة هذه المآلات هي التشظي وانهيار الدولة بشكل مماثل لما حدث في الصومال أو العراق أو افغانستان أو ربما بشكل أشد مأساوية وفظاعة. يرتبط هذا جميعه بدرجة شديدة الوثوق والوثوقية في تقديرنا بحالة الإصرار السياسي الفوقي على نموذج للدولة السودانية أخذ يتشكل منذ حوالي خمسمائة سنة. هذا النموذج تشوبه افتراضات طفق ضررها على حياة المواطنين وحقهم في العيش والحياة والمساواة يتعاظم وارتبط هذا النموذج إلى حد كبير بحدود الدولة السودانية بشكلها الحالي. لأجل ذلك لا مشاحة من أن يتنزه التفكير والتأمل عن الانحصار في الذي يبدو بديهيا وضرويا وهو غير ذلك و "يتنزه" في إمكانية تعديل وتطوير ذلك النموذج لصالح ذلك الجق وتلك الحياة بالدرجة الأولى. ولا مشاحة – حتى – في النظر إلى حدود الدولة السودانية الحالية بعين إمكانية التعديل لذلك الصالح. وإن كان يراد لتلك الحدود أن تتغير في اتجاه التقسيم والتشظي فلا ضير من مقاومة تلك الإرادات بإرادة مضادة تصيب المستقبل والتاريخ والحلول الإيجابية الممكنة في آن معا ً الأخطار التي يواجهها إنسان نهر النيل جراء الصراع الأزرق الآن بين مصر واثيوبيا واحتمالات تفاقمه واحتدامه لدرجة تلحق الضرر بمعظم إن لم يكن كل شعوب النهر تفرض بدورها تأملا أكثر جذرية في أصل المشكلة وعادل الحلول الممكنة وعاجلها. بوسع هذا التأمل أن يغوص قليلا أو كثيرا حتى يصل إلى فكرة مفادها : ماذا لو كانت هذه الشعوب، أو تلك التي تتشارك الفرع الأزرق للنيل على الأقل، من منابعه التانوية إلى مصابّه الدلتاوية تنخرط في كيان سياسي واحد. ولو سمحنا " بمداخلتين" لصديقين حميمين هما النيل نفسه من جهة والتاريخ المشترك لتلك الشعوب من جهة ثانية لما تعارضت المداخلتين على الإطلاق مع صحة الفكرة وصوابها من حيث كونها حلا للمشكلة الماثلة، ولا من حيث كونها هي البداهة نفسها والافتراض الأولي .. بشحمه ولحمه ودمه ونيله ! الفكرة النيلية، كلها أو بعضها، لم تكن غائبة عن الشعوب الثلاثة، حتى في تاريخها القريب، وقل أن تجد مصريا أو اثيوبيا صميما لا ينظر إلى السوداني باعتباره امتدادا انسانيا وثقافيا ووجدانيا له والعكس صحيح أيضا إلى حد كبير الضرورة النيلية لاتجعل التقسيمات والتدرجات المحتملة تشكل تباينا ولا انقساما للفكرة، فلا يصب منادٍ بالوحدة بين السودان ومصر إلا في مصلحة الوحدة مع اثيوبيا ولا ينادي آخر بالوحدة بين السودان واثيوبيا إلا وهو يخدم من حيث يدري ولا يدري وحدتهما مع مصر. فيما يتعلق باتحاد مصر والسودان واثيوبيا فإن الواقع والضرورة الوجودية والتاريخية تجعل المتساوية التي تخالف الحساب (1 =2 = 3)هي وحدها المنطقية دون غيرها ولا يتبقى أمامنا إلا قليل من الاجتهاد لتنزيل هذه الضرورة إلى حيز المعايشة والمشاهدة التنزيل؛ تنزيل هذه الفكرة الحق الحلم الحل، اتحاد مصر والسودان واثيوبيا في دولة واحدة، لأرض الواقع لا شك سيواجه في بداياته بشتى صنوف الممانعة والمقاومة والرفض والدهشة والاستغراب. إلا أنه لن يلبث أن يكون هو التيار الجماهيري الافتراضي الكاسح. مثل المطر الغزير الذي يبدأ في الهطول في أوان غير متوقع. والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل. [email protected]