إن عالم كافكا لا يتغير ، إنه ذلك العالم الرمادي القاسي والشاحب ، نراه في مستوطنة العقاب أو في المحاكمة ويزداد كثافة في قصته الطويلة (المسخ) أو (التحول) كما في بعض الترجمات. في هذه القصة يتحول غريغور إلى حشرة ، تثير الخوف والتقزز حتى من أهله (والده،والدته، أخته غريتة) ، لكن السؤال متى كان غريغور إنسانا ؟ لقد أجتهد طيلة حياته ليوفر لقمة العيش لهذه الأسرة فعمل مندوبا متجولا لمؤسسة ليس فيها أدنى معايير الرحمة.. والده عجوز منهك ، أخته تحلم بأن تكون عازفة كمان ، ولكن وضعهم الاقتصادي لا يسمح سوى بالعمل ؛ هل يطرح لنا كافكا مشكلة انطولوجية؟ هل يتعلق الأمر بالمعنى الوجودي للفرد في هذا العالم القاسي والشاحب ، يتحول غريغوري إلى حشرة فينبذ في إحدى الغرف إلى أن يتخشب ميتا ؛ فلا يكترث أحد لكيفية التخلص من جثته ؛ وتبدأ الأسرة -التي كانت تتفاكر حول التخلص منه قبل موته- تبدأ حياتها من جديد بآمال وطموحات جديدة. وكأنما غريغور لم يكن في حيز الوجود. إن قصة غريغور ليست كوميدية بل هي تراجيديا الإنسان الفرد الذي تقتل فيه الطموحات ويستلبه النظام التوتاليتاري الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ؛ هكذا عالم كاكفا يفضح الأنظمة كما فعل في المحاكمة وأقوى منها في مستوطنة العقاب. فالكل متحول والكل ممسوخ ؛ إن الفكرة ليست في التحول أو الانمساخ الجسماني فقط ، بل في المكون المعنوي للإنسان الذي لم يعد يخدم سوى ضروراته المعيشية فقط ، وحيث يوضع العقل في مجرى الحاجة دون الرغبة ، والتطلعات البسيطة دون الطموح ، وحيث يكون الوجود الفردي رقم في إحصائيات الأنظمة . فما الضير من أن نفضح أنفسنا وأن نعري أوصافنا باعتبارنا لسنا أكثر من حشرات. لا يوجد في عالم كافكا شيء من الروحانية.. حتى في المحاكمة كان وجود الكنيسة تجاريا مندمجا في المصلحة الكلية للنظام ، وكانت الفردانية عبئا ثقيلا . إن عالم كافكا هو انكشاف لجوهر عالمنا الحقيقي ولذلك فهو تراجيدي بكل ماتعنيه هذه الكلمة. د.آمل الكردفاني 30أغسطس2015