يقول كثيرين أن الجيل الحالي يعاني حالة من الإحباط وإدمان الفشل شأنه في ذلك شأن النخب السابقة التي مرت على تاريخ السودان، لكن الرصد يؤكد أن في مسيرة كل جيل شئ مضئ وباعث على الأمل ربما لم يرصد التاريخ كل العلامات المضيئة التي عايشها السودان وأهله في السابق لكن الباحث والمنقب في التاريخ لابد سيجد حدثاً يبعث على السرور والأنتصار في اكثر الأوقات ظلمة وعند اشد حالات الإحباط، وهو ما يحتاج منا الى أن نبحث، نستمع، نصغي بجد لكل حديث وبادرة حتى وأن كانت فردية فخلفها تكمن آلاف من القصص والحكاوى. هذه المقدمة القصيرة تقودنا إلى تجربة شخص فريد وهي تجربة العم صلاح عبده توفيق العامل بالسكة حديد عطبرة، الملاحظ من الصور التي بثها ناشطون له عبر وسائل التواصل الإجتماعي أن الرجل يبلغ من العمر ما يقارب الخمسين وهو عمر طويل وقصير في ذات الوقت إختزله الرجل في فعل الخير ومساعدة المحتاجين في صمت ودون أن يحدث حوله كثير من الضوضاء، يحكى عنه أهالي مدينة عطبرة أن الرجل كان يقوم طوال سنوات العمر الطويلة بتجميع الطعام من الخيرين أصحاب المطاعم في المدينة ويقوم بتوزيعها على المرضى دون أن يطلب جزاءً أو شكراً من أحد وظل يقوم بهذا العمل بصمت إلى أن نشأت مبادرة شارع الحوادث منذ ما يقارب الأربعة أعوام وحينها وجد الرجل فيها فرصة لتوسيع نطاق عمله ووضعه في مؤسسة تعمل على تنظيمه وتقنينه، على ما يبدو أن شباب المبادرة رحبوا بوجود الرجل إلى جوارهم ووجدوا فيه نموذج المواطن السوداني الخارج من مدينة الحديد والنار، وهكذا بدأت مرحلة جديدة في حياة عم صلاح عبده توفيق فلازم شباب المبادرة وكان في أوقات الشدة والضيق يحكى عن مسيرته الطويلة والعناء الذي تكبده وحيداً ليعطى لهؤلاء الشباب دفعة من الأمل والعزيمة ليمضوا قدماً في مسيرتهم متجاوزين فيها العقبات ولحظات اليأس التي مرت عليهم وهم ينظرون يومياً للمآسي التي يعانيها المرضى وهم في حاجة لتوفير العلاج، هذا العلاج يفترض به أن يكون مجاني في ظل الدولة الكيزانية لكن الواقع يخبر عن العكس وعن أزمات يعانيها المرضى فلا يجدوا أمامهم إلا أمثال العم صلاح وبجواره شباب كانت عزيمتهم تسير لتملئ وطن بكامله بشعاع من الأمل. عادة ما يوصف شهر سبتمبر بالحزين نظراً لما يحمله في الذاكرة الجمعية من الألم والدم والحزن الامتناهي، لكن مباردة شارع الحوادث أبت إلا وأن تضيف عليه لمسة من الفرح فتم إفتتاح غرفة حديثي الولادة بمدينة عطبرة وهي وظيفة كان على الدولة أن تقوم بها، لكن شباب المبادرة قالوا أن عليهم أن يعلموا المرضى كيف تكون الحياة لا كيف يكون الموت فتم إنجاز المشروع بمبلغ قدر بمليارين جنية بالعملة القديمة، وهذا حلم كبير وأمر كفيل بالأحلام الكبيرة وحدها المحققة تحت شمس أرض الوطن، هكذا تحدث شباب شارع الحوادث عن حلم ظلوا يعملون من أجله لمدة عام كامل دون أن تقف في طريقهم العقبات ومخططات اليأس الطويلة. نعم لكم أن تتصوروا الطريق الطويل الذي قطعه هؤلاء الشباب وهم يجتهدون في توفير هذا المبلغ وأكثر من ذلك المسيرة الطويلة المليئة بالدموع والألم تعرفوا خلالها على قصص المرضى وعايشوا تجاربهم على أرض الواقع وقاسموهم لقمة العيش كما كان يفعل عم صلاح، وكان تكريماً له أن خص هو بإفتتاح غرفة حديثي الولادة، هو ذات الرجل الذي سار في دهاليز المستشفى وحيداً يوزع وجبات الطعام، هاهو الآن ستحكى قصته لكل مولود جديد ليكون باعثاً على الأمل والحياة. هكذا يعلمنا العم صلاح ومبادرة شباب الحوادث أن الأحلام الكبيرة يمكن لها أن تتحق ، وأن سبتمبر الحزين لابد أن يأتي يوم ويبتسم فيه معلناً عن ميلاد الحياة، وهكذا يكافحون ليعلموا الأجيال القادمة أن الشهيد له مئة حياة ستبنى على خطاه في النضال وتوزيع الفرح. التحية لعم صلاح عبده توفيق وشباب المبادرة وسيظل الحلم إمتداداً لمسيرة طويلة من العطاء والبذل. [email protected]