في العام 1993 حازت قصتي القصية على جائزة القصة القصيرة في مسابقة هيئة الإذاعة البريطانية وكانت بعنوان «أحزان الظهيرة» القصة تحكي عن رجل مشلول كان يطل من نافذة على ميدان كبير كانت به شجرة صفصاف كبيرة بنى زوجان من طائر السمبر عشهما عليها . فقس البيض وخرج الصغار وظل الزوجان يتناوبان إطعامهما . الرجل المشلول وجد عالماً يتشكل أمامه فأصبح أحد أفراده وهو في سريره الممدد عليه . ويراقب الزوجان وهما يقاومان الريح التي تهب عاصفة على الشجرة ويقاومان صقراً كان يحاول جاهداً أن يفتك بصغارهما ولكن المأساة جاءت من حيث لم يكونا يتوقعانها : «نظرت من خلال النافذة... كان هناك رجل يقف علي تراكتر ضخم وهو يوجه عمالاً يقومون بحركة تحت الشجرة... بينما طار السمبر محلقاً حول الشجرة... ولأول مرة أرى الأنثي وقد تخلت عن صغارها ووقفت علي فرع جانبي ترقب الموقف في قلق ظاهر. وصحت بفزع وصوتي يخرج كإستغاثة مجروحة تخترق طبلة أذن الرجل: – ماذا تفعلون؟؟؟ في البداية لم يفهم الرجل سؤالي أو لعله لم يسمعه ولكنه أثار إنتباهه. فكررت سؤالي وتبرع أحدهم كان يقف قريباً من النافذة فأوصل سؤالي للرجل الذي رد قائلاً: – نقطع الشجرة. وبكل فزع العالم صحت وأنا أكاد أختنق: – ولكن لماذا؟؟؟ أجاب: – سيقيمون مكانها سيوبر ماركت. في هذا الأسبوع قرأت مقالاً لصديقي الكاتب الشاعر الفنان طارق الأمين نصاً أسماه حزن العصافير النبيل فوجدت إنه يشير لنفس المأساة المتكررة سنوياً عند قدوم الشتاء يقول فيها: «في مثل هذا الوقت من كل عام تهوي فؤوس الحطابين الأشداء بلا رحمة علي اغصان الشجر الاخضر في كل الشوارع والمنازل والميادين فتتهاوى الغصون في دقائق معدودات على الارض وما ان يرى احدهم جاره يفعل ذلك الا ونادى على الحطاب ليفعل باشجاره مافعل باشجار جاره فتبدو اشجار الشوارع والازقة مثل جموع من متسولين وجوعى تقف على جنبات الطريق منزوعة الخضرة والبهاء والاستحسان، معوجه السيقان تفوقها اعمدة الكهرباء والهواتف القديمة في الاستقامة والوسامة والجمال. ذلك يحدث في وضح النهار بدافع تجديد الخضرة في تلك الغصون مع تباشير فصل الشتاء دون اكتراث لمشهد الملايين من عصافير الخريف وهي تهرع مساء للحاق باعشاشها في ذات الغصون التي اقتلعتها فؤوس الحطابين الاشداء قبل ساعات من قدوم الليل، لحظي العاثر توطدت علاقتي بتلك الطيور في الحي الذي أقيم وقد بدأت هذه العلاقه من طرف واحد حيث وجدت نفسي أراقب حضورها الآثر باعجاب وخروجها صباحا بكل موشحات الفرح وربما كان «عدم الموضوع» هو السبب في بدايات هذه العلاقة لكنه تطور شيئا فشيئا ليصبح ادمانا على متابعة هذا المهرجان البديع فلا مهرجان سواه منسوج من الفرح والأمل وحب الحياة يلوح في افق البلاد الحزينة ، كم هو مطرب تقافز الطيور بتلك الجرأة وهي تمتلك الفضاء وحيدة لاتطالبها جهة بشهادة للبحث او سدادا لرسوم الفرح ولاتصديقا يسمح لها بالغناء فوق رؤوس الاشهاد والاشجار والاحياء والاموات. ثم تقدمت علاقتي خطوة حين قررت ان تكون علاقة حب بين طرفين ويالها من علاقة زهيدة المهر لا تكلف الا القليل من حبات الذرة والدخن وبقايا الارغفة تقذف بها بيسر امام ناظرهم فيمنحونك شهادة المحبة والالفة والصداقة والأمان بلا حيثيات او تعقيد بل تجدهم يتقافزون ويتقافزن حولك بالعشرات كأبهى مايكون المهرجان. كم كانت لحظة الحقيقة قاسية بالامس حينما عادت المئات من العصافير الي حضن دارها المفترض لتجد ان كل اشجار الحي قد طالتها فؤوس الحطابين-كل شئ تهاوى هنالك الاغصان والاوكار وعش الذرية -الصغار الذين ينتظرون عودة الامهات والاباء. لم يفرق الحطابون-ضربوا كل شئ هووا بالفأس والمنشار على الاخضر واليابس، وقفت مذهولا مثلهم اراقب محاولات بعض الطيور الباكية البحث عن صغارها تحت الانقاض حتي صوتهم تبدل من الفرح الى الأنين يتطايرون برعب ذات اليمين وذات اليسار وهم مغلوبون على امرهم لايلوون على شئ حلقوا طويلا في الفضاء ولم يأبهو بمحاولاتي اليائسة في تطمينهم ثم هرعوا مسرعين من فوق الانقاض يبحثون عن وطن بديل». للأخ طارق الأمين أو اللمين شكري وتقديري .. الهم واحد. الصحافة