لماذا درج الناس على كتابة (مِئة) هكذا (مائة)؟ منذ زمن غير بعيد كان الأب يحضر ابنه إلى الكتاتيب (الخلوة) وهو في مرحلة الطفولة ويقول للشيخ المقرئ القاعدة الشهيرة:(لحمه لك وعظمه لي) تلك القاعدة التي رفضهاالتربيون في عصرنا الحاضر، وقالوا إنه أسلوب تربوي خاطئ، يتصف بالقسوة والعنف في أثناء تأدية العمليةالتربوية، وهنا لست بصدد الحديث عن هذا السلوك، وقد سقته توطئة للدخول إلى الموضوع؛ لأن تربية النشئ وتعليمهم الاملاء والكتابة السليمة يبدأ منذ الصغر، إلا أن المهم هناأن نتذكر جميعاً أحكام الهمزة حسب موقعها من الحركة فإذا كان الحرف الذي قبلها مفتوحاً تكتب على الألف، وإذا كان الحرف الذي قبلها مضموماً تكتب على الواو، وإذا كان الحرف الذي قبلها مكسوراً تكتب على النبرة، وإذا كان الحرف الذي قبلها ساكناً تكتب على السطر. إذاً طالما هذه هي القاعدة الإملائية فلماذا يكتبون (مئة) بألف هكذا (مائة)؟. يقول ابن قتيبة في أدب الكتاب و" مائة " زادوا فيها ألفاً؛ ليفصلوا بينها وبين " منه " ألا ترى أنك تقول: " أخذتُ مائة " و " أخذتُ مِنْهُ " فلو لم تكن الألف لألتبس على القارئ. يفهم من كلام ابن قتيبة: أنهم كتبوا (مائة) بالألف ليفرقوا بينها وبين (منه) خلافاً للقاعدة الإملائية. وتحرير هذا القول أن الحروف العربية كانت غير معجمة في البدء، أعني غير منقطة فخافوا من اللبس بين (مئة) و(منه) قبل التنقيط أو الإعجام، وقد انتهت هذه الحجة بانتهاء التنقيط عندما أمر والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بالتنقيط. وعليه لايصح في الوقت الحاضر أن تكتب (مِئة) بألف (مائة)، لأن القاعدة:الهمزة تكتب على النبرة إ ذاكان قبلها مكسوراً. فتكون الكتابة هكذا: (100) مِئة جنيه، و(500) خمسمئة دولار..الخ. ولا نكتب (مائة) جنيه، أو خمسمائة دولار. ولا يخفى أن صحة الإملاء ضرورة لكل من يمسك قلمًا، وكم من خطأ إملائي تسبب في لبسٍ ومشكلات أو تهكم وسخرية. وهنا تحضرني طرفة، حيث يحكى أن حاكماً كتب كتاباً إلى أحد ولاته في الأمصار قائلاً له:(إذا جاءك حامل كتابنا هذا فأقتله) وكان يقصد(فأقبله)، أي أكرمه، وأنزله منزلاً حسناً، وبما أنه أبدل الباء تاءً (خطأً)، فما كان من الوالي إلا أن أعدم حامل الرسالة تنفيذاً لأمر مولاه. والله المستعان. [email protected]