(1) الحركة الاسلامية السودانية كانت اخر المغادرين قبة الاتحاد الاشتراكي المايوي ، وبعدها سقطت مايو وجاء ابريل ، ودكت المدافع السياسية والإعلامية لخصوم الحركة الاسلامية كل جدرانها ، سخرية من قادتها وتبشيعاً باطروحاتها ، وعندما حانت لحظة الحقيقة في انتخابات الديمقراطية الثالثة حصدت الحركة الاسلامية اكثر من خمسين مقعداً برلمانياً ونالت المركز الثالث ، وحصد خصمها التاريخي الحزب الشيوعي ثلاثة مقاعد برلمانية . (2) عندما اشتعلت الثورة في مصر كانت قيادات حركة الاخوان المسلمين جلوساً في قصر القبة يتفاوضون مع رموز نظام حسني مبارك في رسم معالم المستقبل للدولة المصرية ، وبعدها انهار نظام حسني مبارك ، وذات المدافع اشتعلت تبشيعاً وشتماً في قادة جماعة الاخوان المسلمين وسخرية من اطروحاتها السياسية ذات المرجعية الاسلامية ، وعندما حانت لحظة الحقيقة وجاءت اول انتخابات ديمقراطية في تاريخ مصر الحديث والقديم كسب الاخوان المسلمين جولة الخيار الديمقراطي وارتكبوا اكبر جريمة في تاريخ الديمقراطية كما يظن ادعياء الديمقراطية و نالوا غالب الاصوات والمقاعد البرلمانية . (3) استعراض هذه النماذج يقود الي سؤال مباشر و بديهي من القارئ ، هل المشهد السياسي السوداني في هذه الايام قريب من مشاهد التغيير في ابريل السودان ويناير مصر ، بحسابات السياسية والتاريخ والوقائع ليس هذا اوان سقوط النظام في السودان ، القراءة الموضوعية تقول ان الحكومة في افضل احوالها الامنية ، يكاد ينعدم الفعل العسكري من القوي المعارضة المسلحة في كل جبهات القتال ، و بلا شك ان الحكومة في افضل احوالها السياسية طرحت للعالم مشروع الحوار الوطني ووجد طرحها قبولاً اقليماً ودولياً ويكاد الحوار يصل الي محطته الاخيرة ، وعلاقاتها الخارجية في افضل الاحوال تكاد تكون استعادت علاقاتها القديمة وانحسر الصوت المعارض لسياساتها في كل المنابر الدولية والإقليمية بل يكاد يصل الي العدم ، وأصبح السودان حضوراً فاعلاً في ديوان الاسرة العربية ، وصار جزء من العائلة الإفريقية ، وتمد الحكومة اياديها الي الغرب ، صحيح انه لا يصافحها بحرارة ولكنه لا يمانع في الجلوس معها تحت اضواء الشموع والأنخاب ، كعب اخيل الانقاذ هو عدم قدرتها علي التعامل مع الازمات الاقتصادية ، ولكن من الطاف الاقدار بالإنقاذ ان خصومها في اضعف احوالهم التنظيمية والسياسية ويكاد افتقار الخيال السياسي والفعل المبدع يصيبهم بالبيات الشتوي ، ولكن مع كل هذه الاشياء سنة التغيير وسقوط الانظمة لا تخضع لهذه النظريات والقراءات السياسية فكم من نظام قوي ومتماسك سقط كما تسقط جمال الصحراء وهي في كامل قوتها ، ولعل طبيعة الانظمة العسكرية هكذا لا تظهر عليها علامات الانهيار والشيخوخة إلا في اخر الامتار . (4) اذن لماذا هذه المقارنات والحديث عن التغيير وهذا ليس اوانه ولم تأتي لحظته بعد ، مناسبة هذه المقارنات هي الاصوات التي تدعو المؤتمر الشعبي الي القفز من سفينة الحوار الوطني لان النظام علي وشك السقوط ، وان فعلها الشعبي يصبح مثله ومثل الجرذان الصغيرة الهاربة من سفينة غارقة ، اعتقد ان الفعل الاصوب للمؤتمر الشعبي في هذه المرحلة من الشك واليقين ان يكون اكثر مصداقية وان لا يمارس الانتهازية السياسية كما تفعل بقية الاحزاب والكيانات السياسية ، وان يدافع عن خيار الاصلاح والتغيير بالحوار الوطني وان يغرس فسيلته حتي لو قامت القيامة ، مصداقية الشعبي وثقته في الحوار الوطني سيكسب به احدي الحسنيين ، الحسنة الكبري ان يقود الوطن عبر الحوار من دولة الحزب الواحد الي دولة الوطن ، وعندها يكون قد جنب البلاد السقوط في دوامة الفوضى والازمات المتلاحقة ، والحسنة الصغري اذا فشل الحوار الوطني بتعنت النظام وعلي اثر ذلك حدث الانهيار وجاءت الديمقراطية الرابعة كما يقول الخيال السياسي المتفائل فقطعاً سيحصد الشعبي ثمار مصداقيته في صندوق الانتخابات كما تقول قراءات التاريخ وقرائن الاحوال وطبيعة الاشياء . [email protected]